صراعات دولية تتنبأ بحروب مستقبلية.. وما علاقة «حزب الله»؟

الحرب؛ كلمة لطالما أقلقت البشر منذ أن عرفوها للمرة الأولى، ورسخت مفاهيم كالعنف والعداء والدمار، فالحروب تطورت عبر الزمن في أشكالها وأهدافها حتى وصلت بنا اليوم إلى مرحلة بات الحديث فيها عن حرب لا رابح فيها، حرب تستخدم فيها الأسلحة النووية وتحركها وتقودها دول عرف بعضها العداء لبعض عبر مسيرة التاريخ.

كما أن الحروب في القرن الحادي والعشرين تجاوزت المفهوم التقليدي لقيادتها وتحريكها؛ ما أفرز حروباً بالوكالة يستثمر فيها كل ما له علاقة بالمصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدول والكيانات، عبر توظيف العنف وتغذيته وإرساء مفهوم عدم الاستقرار في كثير من البلدان التي وقعت ضحية صراعات القوى العالمية الكبرى، حتى بتنا اليوم أمام سيناريوهات خطيرة لحروب قد تندلع مستقبلاً وتهدد العالم بأسره.

كوريا الشمالية والولايات المتحدة

لا يزال التوتر سيد الموقف بين كوريا الشمالية من جهة والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان من جهة ثانية، حيث تستمر بيونغ يانغ، منذ انتهاء الحرب الكورية عام 1953، في السعي لامتلاك السلاح النووي والصواريخ الباليستية القادرة على الوصول إلى الولايات المتحدة الأميركية.

إقرأ أيضاً: حزب الله يخترق قطاع القروض المدعومة ويضرب مصالح اللبنانيين

تجارب باليستية متواصلة تجريها كوريا الشمالية، وتهديدات على أعلى مستوى تأتي من واشنطن التي لم تتوانَ عن تحريك سفنها الحربية إلى المياه الإقليمية للكوريتين، تهديد فعلي واجهته بيونغ يانغ بمزيد من الإصرار على التحدي، ولعل كلمة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً تنبئ بسيناريو كارثي للصراع بين الدولتين.

فالتهديد باستخدام القوة من قبل واشنطن ردت عليه كوريا الشمالية بتهديد مماثل، في حين يقف المجتمع الدولي عاجزاً عن إيجاد مخرج لتطورات التوتر المتصاعد في شبه الجزيرة الكورية، وما يزيد من احتمالات اللجوء إلى المواجهة العسكرية تصريحات ترامب عندما استقبل قادة عسكريين في البيت الأبيض، واصفاً الأجواء بأنها “الهدوء الذي يسبق العاصفة”.

وحول إمكانية نشوب هذه الحرب بين بيونغ يانغ وواشنطن في الوقت الحالي، يرى المحلل السياسي توفيق شومان أن “النزاع بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأميركية هو نزاع وليس صراعاً، يمثل وجهاً للنزاع بين روسيا والصين من جهة؛ والولايات المتحدة الأميركية من جهة ثانية”.

ويضيف إن “أي تصعيد عادة يأتي من الجانب الكوري، إن كان من جهة التجارب الصاروخية أو التجارب النووية أو الهيدروجينية، هو تعبير عن تصعيد صيني روسي منفرد أو ثنائي ضد أميركا”.

ويؤكد شومان أنه “يكاد يجزم أن احتمالات الحرب بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة هي خارج المتوقع؛ ومن ثم فلن يشهد العالم حتى حرباً كورية-كورية، كما حدث في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، وأن أشكال الضغط التي يمكن أن تلجأ إليها أميركا ضد كوريا الشمالية محصورة بالإجراءات الاقتصادية، والتضييق على الصين لمنع تصدير سلع غذائية أو طبية، أو تزويدها لكوريا الشمالية بالنفط لأن نحو 90 بالمئة من العلاقات التجارية الكورية الشمالية هي مع الصين”.

ويبين أن “احتمالات حرب أميركية غير واردة لا مع بكين ولا مع موسكو ولا حتى بيونغ يانغ”.

المعطيات كلها تشير إلى أن ترامب وجه فعلاً قادة البنتاغون إلى رسم سيناريوهات الحرب القادمة ضد كوريا الشمالية، خصوصاً بعد رفضه للخطة الصينية للحل والتي تقوم على “التعليق مقابل التعليق”؛ أي أن توقف بيونغ يانغ أنشطتها النووية والباليستية، في حين توقف واشنطن مناوراتها العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية.

إسرائيل و”حزب الله”

إذا كانت عواقب الحرب الكورية الأميركية كارثية على العالم بأسره، ومن الممكن تجنبها خلال الأعوام القادمة، فإن حرباً تقليدية قد لا يمكن تجنبها نهائياً ستنشب في أي لحظة بين “حزب الله” و”إسرائيل”، خصوصاً أن المناورات العسكرية الضخمة التي أجرتها القوات الاسرائيلية على الجبهة الشمالية، ووصل صداها إلى مدينة صيدا، ليست للاستعراض فحسب؛ بل رسالة قوية إلى “حزب الله” وداعميه في إيران وسوريا.

لا أحد ينكر التخوف الإسرائيلي من تنامي قوة “الحزب” وقدراته، بعد انخراطه في الحرب السورية إلى جانب النظام السوري، كذلك تتابع تل أبيب التطورات في لبنان وسوريا والعراق وهي متخوفة من نتائج ما يحصل.

ويزيدها تخوفاً الوصل الجغرافي بين إيران والعراق وسوريا، بعد نجاح الجيش السوري وحلفائه الإيرانيين والروس في استعادة مدينة دير الزور شرقاً، والمعابر الحدودية مع العراق؛ ما سيؤمن خط إمداد “حزب الله” الذي فتح بدوره جبهة جديدة ضد “إسرائيل” في الجولان.

ويستبعد الأستاذ شومان نشوب حرب قريبة بمفهومها التقليدي بينهما؛ نتيجة “الثمن الباهظ الذي سيترتب على الطرفين”، وأن الوضع الحالي القائم على الحدود اللبنانية الفلسطينية سيلتزم به الطرفان دون الذهاب إلى مواجهات جديدة.

وأضاف: “لن تكون الحرب الإسرائيلية القادمة ضد “حزب الله” كما قبلها من حروب”.

روسيا وحلف شمال الأطلسي

بعد فشل اجتماع روسيا والناتو في 30 آذار الماضي، بات من الصعب إقناع أحد بأن الأمور تسير للأفضل، ومع تزايد قوة حلف شمال الأطلسي على الحدود الغربية لروسيا فإن التوترات المتصاعدة بين الجانبين ستسهم في مستقبل غير آمن.

فعلى مدار السنوات الماضية يعزز الناتو بنيته التحتية العسكرية، وينشر أسلحة متطورة قادرة على إطلاق الرؤوس الحربية النووية في بولندا ولاتفيا واستونيا ورومانيا وبلغاريا، كما تتمركز قوة بحرية تابعة له في البحر الأسود.

ولأن العقيدة العسكرية الأميركية تعتبر روسيا العدو الجيوسياسي رقم واحد، فإن مراقبين عسكريين لا يستبعدون نشوب حرب بين الطرفين تكون أوروبا مسرحها، خصوصاً بعد تداعيات الأزمة الأوكرانية وضم موسكو لشبه جزيرة القرم، كذلك الخطاب العدائي الأميركي تجاه روسيا يتصاعد على أعلى المستويات السياسية والعسكرية للقادة الأميركيين.

يقابل ذلك تحذيرات واضحة روسية من مغبة القيام بأي استفزازات ضدها عند الحدود، فموسكو بحسب كثير من تقارير مراكز الأبحاث الدولية يمكن أن تعتمد اعتماداً كبيراً على ردعها النووي، في حال أي تهديد لأمنها القومي وهو أمر راسخ في العقيدة العسكرية الروسية.

إقرأ أيضاً: هذا ما يُقلق «حزب الله»…

التوتر على الحدود الروسية الغربية بين موسكو وواشنطن تغذيه بؤر المواجهة غير المباشرة بين الطرفين؛ كما هو الحال في سوريا التي تشهد مؤخراً استفزازات أميركية متواصلة، كما تقول موسكو، ضد قواتها العاملة هناك، كذلك فالمسرح الأوكراني يغذي من وقت لآخر احتمالات الصدام المباشر بين الطرفين، فضلاً عن الحرب السايبرية وحرب المعلومات القائمة فعلاً بين الدولتين.

*حروب غير تقليدية

إلى جانب الحرب التقليدية يواجه العالم حروباً من نوع آخر؛ فالحروب الاقتصادية لا تقل خطورة عمَّا سبق ذكره خصوصاً بين الصين والولايات المتحدة، كذلك الحروب من أجل مصادر الطاقة والحروب على الموارد المائية، كلها سيناريوهات يحبس العالم اليوم أنفاسه أمام إمكانية نشوبها، فالذاكرة البشرية مليئة بويلات الصراعات والحروب، وهي اليوم بحاجة إلى صوت العقل لتجنيب العالم دماراً شاملاً على المستويات كافة.

السابق
جريمة الأونيسكو
التالي
الإتفاق النووي يصمد أمام التصعيد الأميركي.. وترامب يتوعّد بإستراتيجية جديدة ضد إيران