شخصيات مستقلة في مؤتمر «نداء الدولة والمواطنة»: التغيير في التمثيل الشيعي «ضرورة وطنية»

منذ افتتاحه وحتى اختتامه طرح مؤتمر «نداء الدولة والمواطنة» الذي عقد في فندق مونرو في بيروت أمس، لإطلاق «نداء من شخصيات لبنانية مستقلة إلى اللبنانيين» سؤالين أساسيين. السؤال الأول حول ما الأصلح: العمل انطلاقاً من دينامية «طائفية» أو دينامية «وطنية» في مبادرات سياسية لها وجهة معارضة؟ والسؤال الثاني عن كيفية تأمين استمرارية هذه المبادرة لكي «لا تنتهي بانتهاء الانتخابات».

هذان السؤالان شكّلا محور النقاش في «لقاء مونرو» أمس. وهذا ليس بمستغرب طالما أنّ نصّ النداء نفسه يحفّز عليهما. فنصّ النداء الذي وزّع على الحاضرين في بداية المؤتمر – بعنوان: «آن لدولة لبنانية مدنية أن تبنى، والانتخابات النيابية بداية قيامها» – يخاطب ديناميتين: دينامية مدنية وطنية، ودينامية طائفية وبالتحديد شيعية بـ «المعنى الديموغرافي والسياسي للكلمة».

ولعلّ رئيس بلدية بعلبك الأسبق المحامي غالب ياغي الذي افتتح اللقاء، حدّد في كلمته المقتضبة هوية النداء، بقوله: «نحن مجموعة من اللبنانيين الديموقراطيين ننتمي إلى الطائفة الشيعية وهمّنا الأول الدولة القادرة والعادلة».

اقرأ أيضاً: شيعة خارج الثنائيّ بدأوا مساراً انتخابياً وصوت قويّ آت من البقاع

أضاف: «الساحة الشيعية إحدى ساحات نشاطنا لكننا لسنا في صدد تنظيم حزب شيعي، بل نسعى لخلق مناخ مريح لجميع اللبنانيين ليتمكنوا من الوصول إلى حقوقهم». واستبق سؤال الاستمرارية بالقول إنّ «اللقاء لن يكون عابراً بل نرغب أن يكون مستمراً، وأن يكون بداية لخلق جبهة معارضة لتصحيح الإنحراف في السياسة اللبنانية».

وتطرّق إلى ما سمّاها «سياسة المحاصصة» التي اعتبر أنّها عطّلت الدستور وستؤدي إلى تفتيت لبنان وزواله، «ومن هنا ضرورة وضع خارطة طريق لتغيير المعادلة القائمة».

والواقع أن ياغي مهّد بكلمته للنداء، إذ أطلع الحاضرين ممّن ليسوا على علم بمحتواه على مضامينه الرئيسة، لجهة المنطلق الشيعي للنداء وإنما بأفق وطني، أو وفق تعبير ياغي نفسه: «لقاء شيعي هدفه وطني بإقامة معارضة لبنانية شاملة». كذلك لجهة المناداة بالدولة العادلة القادرة التي تبسط سلطتها على كامل أراضيها، وثمّ معارضة «سياسة المحاصصة».

توطئة ياغي للنداء لم تفصح بطبيعة الحال عن مضامينه كلّها. فالنداء الذي تلاه عضو «اللجنة التحضيرية» الدكتور حارس سليمان، بدا أنه واعٍ منذ بدايته لإشكالية منطلقه الشيعي وهدفه الوطني. لذلك لم يظهر النداء، «الذي استغرق وضعه كثيراً من النقاش»، مربَكاً أو متناقضاً، إنمّا هو أشبه بمحاججة وبنقاش مفتوحين، و«ليس نهائياً»، كما يشير عضو «اللجنة التحضيرية» السيّد علي الأمين لـ «المستقبل»، «بل سيأخذ بكل النقاش الذي دار في اللقاء».

فصحيح أن أصحاب النداء يعرّفون عن أنفسهم أولّاً بأنهم «لبنانيون وطنيون وديموقراطيون من مشارب مختلفة»، ثمّ في المقطع الثاني يعرّفون عن أنفسهم بأنهم «لبنانيون أولاً وشيعة ثانياً»، إلا أنّ سياق النداء و«فلسفته» واعيان لما قد يُعدّ تناقضاً بين التعريفين هذين.

ففي المقطع ما قبل الأخير من النداء يمكن الركون إلى فذلكة النداء أو فلسفته، لا سيّما لجهة «التأكيد على أنّ التغيير في الساحة الشيعية هو أساس مفصلي للتغيير في كل لبنان». ويضيف النداء في الفقرة نفسها إنّ «الإنسداد الوطني لا يمكن إزالته إلا بتغيير حقيقي في التمثيل الشيعي في البرلمان والسلطة وتلك مسؤولية وطنية وضرورة وطنية تقع على عاتقنا (أي الشيعة) وعاتقكم (أي اللبنانيين)». بمعنى آخر، معركة النداء «الشيعية» هدفها وطني وليس شيعياً حصراً. وإلا لما وصف النداء إحداث التغيير في التمثيل الشيعي بـ «الضرورة الوطنية»، ولما أشرك أصحاب النداء اللبنانيين عموماً في غايتهم هذه.

إلّا أنّ فذلكة النداء هذه لم تمنع إستمرار النقاش حول ما الأجدى: الإنطلاق شيعياً أو وطنياً؟ بل استمر هذا النقاش حتى نهاية اللقاء، بين من يطالب بهوية «مدنية» أو «علمانية» أو «وطنية» للنداء، ومن يرى ضرورة لحراك شيعي في ظلّ الظروف المحلية والإقليمية الراهنة. علماً أنّ المداخلات بمعظمها كانت مؤيدة للطرح الأساسي للنداء.

أمّا بالنسبة إلى سؤال الإستمرارية الذي يواجهه اللقاء كما سواه من المبادرات السياسية التي تشهدها الساحة اللبنانية، فيشير عضو «اللجنة التحضيرية» السيّد مصطفى فحص إلى أنّ «اللقاء اليوم (امس) هو لقاء تأسيسي ستنبثق منه لجنة متابعة ستعدّ في المرحلة الأولى للقاء في إحدى المناطق اللبنانية»، لافتاً رداً على سؤال لـ «المستقبل» إلى أنّ «اللقاء سيلتقي مع من يشبهه على الساحة الوطنية». علماً أنّ سليمان كان قد أشار عقب تلاوته للنداء بأنّ اللقاء أمس كان ثمرة جهد استمرّ لثمانية أشهر وشاركت فيه «أربع مجموعات من البقاع واثنتان من بيروت وضاحيتها الجنوبية وثماني مجموعات من الجنوب».

اقرأ أيضاً: ترتيب مدَني جامع لـ«البيت الشيعي المعارِض»

وبالعودة إلى نصّ النداء فهو كان دعا إلى «بناء دولة مدنية قوية وقادرة، دولة سيّدة على أرضها وحدودها، تؤمّن تداول السلطة الدوري وفق النصوص الدستورية، دولة تقوم على فصل السلطات وتعاونها ومحاربة الفساد وصرف النفوذ».

أضاف: «نحن لبنانيون أولاً وشيعة ثانياً ننتمي الى ثقافة ترفض الظلم والانصياع لمستبد، وترفض الفتنة وهدر الدماء من أجل سلطة ظالمة مهما علا شأنها ولا تُسلّم بشرعية غير شرعية الدولة ولا بسلطة غير سلطة القانون».

وأعلن أن «سلطة المحاصصة الطائفية قد تجاوزت كل الحدود بعدما أطاحت بالدستور والقوانين وقوّضت الادارة وأنظمتها وجيّرتها للأزلام والمحاسيب».

وإذ لفت النداء إلى «فشل كل محاولات عقد تسويات بين منطق الدولة ولا منطق الدويلة»، أشارت إلى «استمرار الإصرار في أخذ طائفة بمجملها الى (صحراء تيه سياسي وثقافي في خدمة أجندات اقليمية)، وفي الاشتراك في حرب دائرة على قاعدة انقسام مذهبي سيحرق بلهيبه مستقبلنا».

السابق
المملكة المتحدة البريطانية تعتمد على الطاقة المتجددة بنسبة 30% لتوليد الكهرباء
التالي
إطلاق «نداء الدولة والمواطنة»: المعركة الاصلاحية تبدأ من الانتخابات