عندما يجمع العالم على الأسد

حسين عبد الحسين

أن يحلف نازيو أميركا الجدد بحياة الرئيس السوري بشار الأسد ويرفعوا صورته تباهيا، وان تصر اسرائيل الصهيونية على ابقاء الأسد في الحكم واعادة سيطرته على الجنوب المحاذي للأراضي السورية التي تحتلها، وان يتمتع الأسد بدعم ايران المعادية لاسرائيل، وان يتمتع بتأييد اليمين الاوروبي والاميركي بحجة دفاعه عن مسيحيي الشرق، وان يتمتع بتأييد اليسار الاوروبي والاميركي ممن يرون فيه عنوانا للتصدي للامبريالية…

أن تُجمع تيارات العالم المتناقضة على الأسد هي ضربة حظ ربما لم تسنح لطاغية في التاريخ الحديث. ان يتوافق النازيون والصهاينة على الأسد، وان تتوافق ايران واسرائيل و“حزب الله“ على الأسد، وان يتوافق اقصى اليمين المسيحي مع اقصى اليسار اللامبريالي عليه…

اقرأ أيضاً: عصر الميليشيات يحصن عصر الهزيمة

في عالم قاس غير عادل، في عالم يلقّن الاجيال ان القوة هي العدل، في عالم تنهار فيه المحاكمات الدولية وتتزاحم في سمائه مقاتلات جيوش العالم على انواعها واشكالها، لا يعارض الأسد ويرغب في رؤيته يرحل الا غالبية السوريين. هؤلاء السوريون كانوا غالبية يوم ثاروا، واليوم صاروا أقلية في بلادهم، بعدما صارت غالبيتهم في مخيمات اللجوء، وفي قعر المتوسط، وتحت ركام مدنهم، وفي دول الشتات.

لم يعد لدينا ما نقوله للسوريين. لم يعد لدينا، نحن من نعدد التصريحات ونحصي المواقف، ونربطها ببعضها البعض، ثم نفككها، ونشرح للسوريين سبب مآساتهم، ونحاول ان نمنحهم بعض الأمل بقرب نهاية ازمتهم، لم يعد لدينا الكثير لنقوله. كل ما بوسعنا قوله هو ان العالم بارد، مظلم، قاس، يحكم فيه القوي الضعيف، حظكم ان امهاتكم ولدتكم حيثما ولدتكم في سوريا، وهي لو ولدتكم في الحي المجاور، لكنتم شبيحة تضربون وتشتمون وتقتلون وتعفشون، بلا حسيب.

والدين افيون الشعوب، به يتداوى السوريون، وبه يخففون ألمهم من أسد كاسر عليهم ولا يجد من يردعه. بأفيون الدين يتمسك السوريون بالعدالة، ان لم تكن ارضية، فإلهية. ذاك الصبي الذي لفظه البحر ميتا، وتلك الفتاة التي خرجت اشلاء من تحت الركام، كيف قتلوا؟ من يعزي اهلهم وينصفهم بعدالة؟ لولا السماء، لما تبقى للسوريين بقعه يوجهون نظرهم اليها.

اما الاشقاء، فمن غالبيتهم الشقاء، يذلّون السوريين في لبنان، يستقوون عليهم، يضربونهم من دون حساب، يعذبونهم في اقبية الاستخبارات، فيموتون.

هؤلاء الاشقاء الذين يبيعون الحرية بالعلمنة، فيخسرون الاثنين معا. لم يسبق ان عاش شعب في شقاء كالذي يعيشه العرب اليوم. اصبح حكام بنادق فلسطين الفاسدة ابطالا قياسا ببعض حكام العرب اليوم، وتآمرهم في لوبيات الفنادق، وعلى شاشات الفضائيات.

نحن من تابعنا الثورة السورية بشغف منذ اندلاعها قبل ست سنوات، صرنا نفهم التصريحات من الاشارة. هي طلاسم عادة يفهمها من ينغمس فيها، ويستخدمها ترميزا لافهام الآخرين. نحن من نفهم طلاسم السياسة حول سوريا نعرف ان من كان يعد بخروج الأسد من الحكم، بالسياسة او بالحرب، تراجع اليوم وقبل بقاء الأسد، واستعار موقفه من الغموض الاميركي، الذي كان يبدو وكأنه يطلب رحيل الأسد، فيما هو كان واقعا يطالب ببقائه. كان الاميركيون يقولون ان ”الأسد ليس جزءاً من مستقبل سوريا“، وهذا يعني على الأقل انه سيكون جزءاً من عمليتها الانتقالية، او مهيمنا على هذه العملية، وهي العملية التي تقرر المستقبل.

لم يكن تخلي بعض الاشقاء العرب عن السوريين وتراجعهم امام الأسد الاول من نوعه. سبق للاشقاء ان قالوا ان العدالة اتهام سياسي، وتخلوا عمن هو لهم، فلم يجنوا عدالة، ولا سياسة.

العالم يجمع على الأسد، ويتفرق عن العدل والعدالة. مازال العالم بعيدا عن مبادئ التنوير، التي يتظاهر الغرب انه يتبناها ويتباهى بها. هو عالم مبني على القوة، والقوي ليس من يمارس القوة فحسب، بل من يمارسها ويختبئ في ثياب الحملان والمستضعفين والمظلومين والمحروقين والاقلويين.

السابق
محمد دندش في غيبوبة.. والجميع في انتظار إشارة من دماغه!
التالي
الوزير فنيانوس سيحضر معه من الشام صوراً للأسد.. ليعطيها للحريري!