وداعاً دكتور موسى وهبة.. إبن الشّيخ طابا

الدكتور موسى وهبة مبدع اللغة والفلسفة والفرح والدّهشة والجمال واليقين والشّك .. يتماوج مع نسيم قممِ الشّيخ طابا أبِيّاً ويرحل.. تماماً كما عرفته في بيتنا، صديقاً مشاغباً لأبي، صادحاً للحياة والعنفوان! ويوم جاءنا يطرق الباب مع الزّمهرير في منتصفِ ليلٍ باردٍ من كانون، ليوقظ الحلم فينا، ويبيت معنا دفء الكستناء.

بيته في بيروت كان مفتوحاً للثقافة والعلم. كنت أرافق والدي منتهزاً فرصة ترجمة نصوص مراجعٍ وآياتَ قرآنيّةً من أطروحته للفرنسية يوم كان يحضّر في جامعة ليون دراساته العليا في مادة التاريخ. كان العلايلي منهجاً للحديث والحداثة وكان أبي يعاوده من وقت لآخر حتّى صار مفتاحاً لموسى في لقاءات تؤمّ فيها نقاشات اللغة والبيان والكلام.

التقيته زائراً في المدينة الطلابية بباريس في البيت اللبناني تحديداً في نهاية الثمانينات، وعدت والتقيته في بيروت في ذكرى رحيل المفكر المبدع مهدي عامل العاشرة، وكان يدير الصفحة الثقافية في جريدة النّهار.. كانت النّدوة مُنْصَبّة على “تجديد الفكر الاشتراكي” وكنت أمثّل جمعية أصدقاء مهدي عامل في فرنسا، فربطت في كلمتي يراع المتنبّي باليراع الذي خطّ فيه مهدي عامل حبكة فكره: “نَحيفُ الشَوى يَعدو عَلى أُمِّ رَأسِهِ  وَيَحفى فَيَقوى عَدوُهُ حينَ يُقطعُ/  يَمُجُّ ظَلاماً في نَهارٍ لِسانه  وَيُفهِمُ عَمَّن قالَ ما لَيسَ يَسمَعُ/” فهجم عليّ وقبّلني ضاحكاً: “يا ملعون.. كيف مش طالع لبيّك أسعدي؟”.

جلّ ما في الرّجل من حكمة طغت عليها شيبته وهيبته، فقوانين الجدل ما زالت تؤازرنا، والأصالة تتهدّل من جبين يتصبّب عرقاً وكلمات “كلّنا برجوازيين صغارا” قلت لَهُ: “لكنني يا بروفيسور موسى، ادركتُ حقيقة واحدة، انك وامثالك طبعتم فينا محاربة الاستغراب المقيت”.

نودعك وتبقى ابتسامتك الجميلة واعدة فينا.. . وإلى اللّقاء!

بشّار ترحيني- باريس في الثّالث من تمّوز2017

اقرأ أيضاً: الفلسفة كالسياسة.. لا تموت

الفلسفة العربية تخسر موسى وهبة
«خسارة فادحة للفكر العقلاني في مواجهة الفكر الظلامي والظلاميين». بهذه الكلمات وصف «الاتحاد الفلسفي العربي» أمس رحيل المفكّر والباحث والأكاديمي اللبناني موسى وهبة (الصورة) الذي انطفأ في صباح اليوم نفسه عن 76 عاماً بعد صراع طويل مع المرض، تاركاً «مؤلفات أصيلة راقية تفخر بها المكتبة الفلسفية العربية» وفق ما جاء في بيان الاتحاد.

ولد وهبة في قرية الشيخ طابا العكارية (شمال لبنان) في عام 1941. حصل على دكتوراه الدولة في الآداب من «جامعة السوربون» في باريس عام 1974. عمل أستاذاً للفلسفة الحديثة والمعاصرة والفلسفة العامّة والميتافيزيقا في «الجامعة اللبنانيّة» منذ حصوله على الدكتوراه حتى عام 2005.
وبين عامي 1996 و1997، أسس ملحق «نهار الكتب» الصادر عن مؤسسة «النهار» وترأس تحريره، ليشارك لاحقاً في تأسيس «اللقاء الفلسفي» و«مجلّة فلسفة». علماً أنّه كان عضواً في لجنة الفلسفة الاستشاريّة في «المنظّمة العربيّة للترجمة» (بين 2001 و2007).
أما على صعيد الترجمة، فقد نقل إلى لغة الضاد مؤلفات لكانط، ونيتشه، وهوسرل وهايدغر، فيما أنجز الكثير من المقالات
الفلسفية.

اقرأ أيضاً: الحرية بين الإسلام والفلسفة الوجودية

تقام الصلاة اليوم عند الساعة العاشرة صباحاً في كنيسة «مار نقولا» في الأشرفية (بيروت)، ثم ينقل جثمانه إلى مسقط رأسه في عكار حيث يوارى الثرى.

الأخبار
الفنان شربل فارس

السابق
لندن تحميّ الجهاديين انطلاقا من«حماية حقوق الانسان»!
التالي
النخب اللبنانية و«اللوياجيرغا»