صلاة سليماني وتمتمات ترامب

قاسم سليماني
لا نعرف بعد إن كانت صلاة قاسم سليماني على تلك البقعة الترابية المجهولة من الحدود السورية العراقية، قبل أسبوع، كانت صلاة شكر، أم صلاة استعداد لما هو قادم من الأيام. لكن المؤكد حتى الآن، بأن تمتمات الرئيس الاميركي دونالد ترامب بخصوص النيل من النفوذ الإيراني، ما تزال خافتة على أرض الواقع.

يقول البعض أنه ارتباك داخل الإدارة الأمريكية حيال المشهد السوري برمته، مشابه لذلك الارتباك الذي ساد سياسة سلف ترامب. فيما يقول آخرون أن السياسة هي ذاتها، لم تتغير، وأن الأولوية هي للحرب على “داعش”، وأن الحديث عن تحجيم النفوذ الإيراني، استهلاكي، لا أكثر. فيما تقول فئة ثالثة، بأن الأمريكيين لا يجدون حلفاء قادرين على مسك الأرض السورية، التي يمكن دعم استعادتها من “داعش”، في ذلك الجانب الشاسع من البادية السورية.

لكن، أياً كان التفسير الدقيق لغض الطرف الأمريكي عن وصول الإيرانيين إلى الحدود السورية – العراقية، شمالي معبر التنف، يبدو أن واشنطن لا تريد بالفعل، كما قال أحد مسؤوليها صراحةً، التورط أكثر في رمال الصراع بسوريا.

في أيام معدودة، حدثت تطورات متزامنة، تؤكد ذلك. إذ غض الأمريكيون الطرف عن التمدد الإيراني عبر الحدود السورية – العراقية، فيما غض الإيرانيون الطرف عن استعانة الأمريكيين بحشد سُني للسيطرة على الشطر العراقي من الحدود، مقابل التنف. وأخيراً، اتفق الطرفان على وقف العمليات، مؤقتاً، في درعا. وخلال ساعات، أُعلن عن جولتين جديدتين من المفاوضات، الأولى في جنيف، في العاشر من تموز. والثانية في أستانة، بعدها بأيام.

بذلك يتضح لماذا تم تأجيل الجولة الخامسة من أستانة، التي كان من المقرر عقدها في الأسبوع الأول من الشهر الجاري. فاللاعبان، الروسي وحليفه الإيراني، والأمريكي وحليفه الأردني، كانا بحاجة لاختبار القدرات الميدانية لكل منهما، على الأرض، قبل أن تُترجم حصيلة ذلك الاختبار إلى مفاوضات على الطاولة.

اختبر الإيرانيون بجدّ، الخطوط الحمراء الأمريكية. وبعد محاولتين، تمكنوا في الثالثة من إيجاد ثغرة أظهر الأمريكي تراخياً حيالها، أو أنه حصل مقابلها على شيء آخر. قد يكون ما حصل عليه الأمريكي، هو غض الطرف الإيراني عن تأمين حدود معبر التنف من الجانب العراقي بواسطة مقاتلين عراقيين سُنة، وليس من الحشد الشيعي الموالي للإيرانيين.

أما في الجنوب الغربي لسوريا، قرب الحدود الإسرائيلية، قد يكون اختبار القدرات لم يصل لختامه. فالتهدئة التي ستستمر 48 ساعة، قد تكون استراحة مقاتل للطرفين، بعد أن أثخنا بعضهما بالجراح. وربما تكون تهدئة بهدف إيجاد أجواء مناسبة للتفاهم على تسوية وسط في تلك البقعة الحساسة من التراب السوري.

إقرأ أيضاً: خسوف الهلال الإيراني خلف البادية السورية

بكل الأحوال، ما بات أكيداً، أن العزم الأمريكي بخصوص تحجيم النفوذ الإيراني، بدا متراخياً جداً. ولا يعني ذلك بالضرورة أن الأمريكيين لا يريدون حقاً تحجيم النفوذ الإيراني. لكن قد يعني أنهم يبحثون عن أقل السبل كلفةً لتحقيق ذلك التحجيم، في ضوء الإصرار الإيراني على التواجد عبر الحدود السورية – العراقية، والربط بين بغداد ودمشق.

وفي اختبار القدرات، حقق الطرفان، الإيراني والأمريكي، لكل منهما، إنجازاً. وقدما بالمقابل، تنازلاً. الإيراني قطع الطريق على المعارضة المدعومة من الأمريكيين إلى البوكمال، ثاني أبرز عقد التواصل البري بين سوريا والعراق. لكن بالمقابل، اكتفى الإيراني بطرق ترابية لنقل الأسلحة والتواصل البري اللوجستي، بين العراق وسوريا، في الوقت الراهن. أما الأمريكي، فحسم سيطرته على طريق دمشق – بغداد، وأبعد الإيراني عنه، إلى أمد، حسبما يبدو. لكنه في المقابل، خسر الطريق إلى البوكمال، أو بالأحرى، تخلى عنها.

 إقرأ أيضاً: بالصورة: قاسم سليماني يصلي على الحدود السورية .. العراقية

وأهم خلاصة قد نخرج بها من التطورات المتسارعة في البادية السورية، خلال الأسابيع القليلة الماضية، أن إدارة ترامب أميل للحلول الوسط والتسويات مع خصومها في المشهد السوري، بمن فيهم، الخصم الإيراني. وذلك على خلاف تلك اللهجة العالية التي تسود تصريحات الرئيس الأمريكي حيال إيران، عبر وسائل الإعلام.

السابق
جنبلاط: ما حدث لشركة سعودي أوجيه محزن!
التالي
الميدل إيست من بين أسوأ خمس شركات طيران!