الموقف الشرعيّ من السلاح الذري 

الاسلام يتضمن وبصورة واضحة القيم الدينية والأخلاقية التي تقضي بالقضاء على هذا السلاح، وباستبعاده كلياً، وبعالم يجمع على تجريد القوى الكبرى من امتلاك هذا السلاح.

في بحث هذا الموضوع أود ان أشير اولاً الى ان إنتاج السلاح الذري –فضلاً عن استعماله– في النـزاعات والخصوم والحروب بين الجيوش والأمم، هو أمر يتحدى القيم والمفاهيم المتعارف عليها بين الأمم والشعوب، ولدى علماء الاجتماع الانساني وفي فلسفة إنتاج العلم والمعرفة، والحق الذي يجب ان نشير اليه ان هذه الانجازات التي باتت سلاحاً يهدد مصير الانسان على هذا الكوكب الارضي، لم يكن إنتاجه إلا بواسطة العلم والكشوفات العلمية المتقدمة والتي لا يمكن ان يوافق أحد على ان يكون العلم وكشوفاته المتقدمة سبباً للأخطار التي تصيب الانسان بدلاً من ان تكون هذه المنجزات وسيلة لتمهيد سبل العيش والانتصار على معوقات الراحة والرفاهية لبني الإنسان.

إقرأ ايضا: السيد الامين: نحن بحاجة للتيار العقلي لينقذنا من التخلف

ومن الطبيعي ان يتبنى الاسلام وهو يحث على العلم والمعرفة، ان يتبنى الغايات السامية والنافعة لبني الانسان لهذه الوسائل العلمية التي لم يتم اكتشافها الا بواسطة الكدح العقلي والفكري للعلماء والمفكرين.

على انني أود ان أشير الى ظاهرة مؤسفة، وهي ان الصراعات بين الدول ومراكز القوى في عالمنا المعاصر، وربما قبل عالمنا المعاصر، كانت حافزاً قوياً لإنتاج وسائل تساعد الأطراف المتصارعة على الغلبة والقهر للطرف الآخر.

وقد تم إنتاج الكثير من الآلات والمعدات في إطار هذه الحروب، ومنها أخطر هذه الوسائل، عنيت به السلاح الذري.

ولكن الإنسان اكتشف ان هذه الوسائل التي أنتجتها حوافز القهر والغلبة يمكن استخدامها في المجالات السلمية التي تقدم النفع الكبير للمجتمع الإنساني، وكان من الطبيعي تحويل هذه الإنجازات العلمية للمنجزات السلمية، وهي فعلاً سواء كان الامر يتعلق بالسلاح الذري او بغيره من المنجزات قد تحوّل جزء كبير منها نحو الأغراض السلمية، وقد كان لها أثر كبير في تحسين وترقية حياة الانسان وتحقيق أغراضه وحاجاته ورفعت من مستوى المعيشة.

إذن فإنه يمكن التمييز بين مبدأ تطور العلم في جانبه الوضعي، وما يسمى بالعلوم الطبيعية، وبين مبدأ استخدام نتائج هذا العلم، فاكتشاف الذرة بذاته أمر مطلوب ومرغوب، ولكن استخدامه في سبيل تدمير الحضارة ومنجزاتها هو أمر منكر ومرفوض حيث لا يجوز توظيف الجهد البشري الشريف وهو إنتاج المعرفة في كل مجالاتها لما يتناقض مع غايات المعرفة والعلم، والاسلام واضح في هذا المجال، فهو دعوة مركزية للسلام بين الشعوب والأمم من جهة، وهو دعوة واضحة وصريحة لتسخير العقل البشري وتوجيهه نحو إنتاج العلم والمعرفة لمصلحة حياة الإنسان على هذه الارض.

نحن نلاحظ اليوم ان المرء يكاد يتمنى وهو يشهد الفجائع الناتجة عن استعمال السلاح التدميري الشامل، يتمنى لو ان الانسان لم يخترع هذه الاسلحة، ولو كان ثمن ذلك ان تكون حياته أقل تقدماً مما هي عليه الآن، لأنه يرى بأنه يدفع ضريبة هذا التقدم وهذه الرفاهية تهديداً خطيراً لحياته بواسطة سلاح الدمار الشامل، التي لم توجد حتى الآن ضمانات حقيقية لعدم استعمال هذا السلاح الذي استعمل فعلاً، ولا شيء يمنع من استعماله مجدداً، وبصورة أكثر شمولاً وقسوة، بعد ان امتلكته قوة متعددة في عالمنا المعاصر.

ان الاسلام يتضمن –بصورة واضحة– القيم الدينية والأخلاقية التي تقضي بالقضاء على هذا السلاح، وباستبعاده كلياً، وبعالم يجمع على تجريد القوى الكبرى من امتلاك هذا السلاح، بل تدميره والقضاء عليه كلياً، لأن وجوده – شئنا أم أبينا – سيظل مصدراً للخوف والقلق، خاصة وأن هذا السلاح يمكن تحويله لأغراض سليمة من شأنها ان تمنح العالم فرصاً لا حدود لها للتقدم وتعميم الرفاهية، وإنقاذ شعوب كثيرة من الفقر والمآسي ومن الجهل.

ان فلسفة الاسلام تقوم على أن الإنسان خلق على هذه الأرض لإعمارها، وإذا تعمقنا أكثر في هذه الفلسفة فإننا نجد من النصوص القرآنية ما يجعلنا نميل الى ان الجنة التي وعد بها المؤمنون يريدنا الله ان نقيمها على هذه الارض، وأن جنة السماء، لا تنال إلا من جنة الارض، وهذا التصور الاسلامي أجده واضحاً في مثل قوله تعالى وهو يصف الجنة:(ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين).

أرى ان نتعمق جيداً في هذا المشهد فهو أكثر دلالة من كل المشاهد الاخرى التي وصفت بها الجنة ونعيمها، فإذا كانت الجنة مكاناً تجري من تحتها الأنهار، وأنهاراً من لبن وعسل، وكل ما تشتهيه الأنفس وتلذّه الأعين، يكاد الإنسان قادراً على تحقيق هذه المكتسبات على الارض، فأين النعيم الحقيقي للجنة التي لم تتحقق على هذه الارض رغم وجود هذه المتع المادية لدى طبقات كثيرة من المجتمعات البشرية.

إن النعيم الحقيقي هو في هذا السلاح الداخلي الذي صورته الآية الآنفة، فلا شيء ينكّد حياة الانسان كالبغض والحسد والتنافس، والصراع على النفوذ والسيطرة في الجنة، لا حسد ولا تباغض ولا تنافس، والله تعالى يريد للإنسان على هذه الارض ان يصل الى هذه الحالة.

فكل القيم والمواعظ التي يتضمنها أدب الإسلام وشرعه يرمي الى هذا المراد، ويجعل منه غاية للحياة البشرية.

من هنا تغدو وسائل التدمير التي بدأنا الحديث عنها هي أكثر العقبات عناداً وشراسة ضد هذه الغايات والأهداف العظيمة، والتي يبدو ان الانسان هو أحوج ما يكون اليها – اي الى هذه الغايات.

نستنتج من ذلك ان الاسلام يحرم صناعة اسلحة الدمار فضلاً عن أسلحة الدمار الشامل، كالقنبلة الذرية.

غير انني أود ان أورد ملاحظة هامة، وهي ان بقاء هذه الاسلحة في الدول العظمى سوف يوجد مبرراً لدول اخرى لا تمتلكها ان تبرر لنفسها السعي لامتلاكها، ومع الأسف فإن مثل هذا التبرير قد يكون منطقياً، او من باب الضرورة، فبموجب المنطق السائد لا يمكن على المستوى القانوني والشرعي من منع الدول المستضعفة ان تسعى لامتلاكها، ولذلك فإن الوسيلة الوحيدة هي في قرار دولي عالمي يقضي بتدمير هذه الاسلحة بحيث لا تعود هناك دول تمتلكها ودول محرومة من امتلاكها.

السابق
بالفيديو: لحظة إشكال حارة حريك ومقتل الشاب أديب حيزان
التالي
اسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الثلثاء الواقع في 11 نيسان 2017