عن ستافرو.. ريشة وحياة

ستافرو جبرا الذي انطفأ أمس عن سبعين عاماً، يشعرك وكأنه وُلد وبيده اليمنى ريشة، وفي يسراه كاميرا؛ الأولى للإبداع والتخييل، والثانية للتأريخ والتسجيل، وكلتاهما بعين المبدع والفنان الأصيل.
منذ بدأ حياته المهنية قبل نصف قرن لمع اسمه الأول كأنه ماركة مسجلة لرسام كاريكاتير مختلف، يرسم «اليومي» وكأنه معلِّق صحافي، ويتصدى لــ«الاجتماعي» بروح الالتزام والمرح والنكتة، التي تقترب من الإباحة.
كان ستافرو رساما لبنانيا محلياً بامتياز، لكنه كان عربيا وعالميا أيضا، تناقلت رسوماته كبريات الصحف والمواقع العالمية، خصوصا أنه امتلك مقدرة لغوية أتاحت له التعليق والتلميح بمهارة بالعربية والفرنسية والإنكليزية، وهو، لمن عمل معه ـــ وأنا منهم ـــ كان مثالاً للشخصية المتنوعة الفريدة والغنية، فهو في كاريكاتيره السياسي جدّي، لا يساوم حين يتعلّق الأمر بالثوابت الوطنية والحريات، ومستعد لخرق المحظور وملامسة الخطر، وهو في الآن نفسه رقيق ومرهف حين يتناول فكرة اجتماعية أو ظاهرة تتحوّل بين يديه إلى خطوط موحية.

إقرأ ايضًا: هوت ريشة ستافرو جبرا وأغمضت عينه المبدعة
بين اهتماماته الكاريكاتيرية المتنوّعة تخصص ستافرو في نوع من الشخصيات النسائية، وهو في هذا المجال كان ذكورياً إلى حد المبالغة و«شوارعياً» بلطف، وفي يومياته كانت النساء والمتسابقات في حفلات ملكات الجمال يتحلّقن حوله للقطة استثنائية أو صورة تذكارية في أجواء مرح وصداقة وغواية تدوم، وتدوم.
عاش ستافرو الحياة بملئها فناناً جامحاً وسياسياً بالريشة، وساهراً دائما في ليالي بيروت، لا يردعه عن طقس الأنس ومستلزماته خطر أمني أو حرب أهلية أو قصف عشوائي.
ستافرو كان ابن الحياة والبهجة والإبداع بكل ما عنته له من التزام وجنوح وانجراف في متاهات كل أنواع المتع.. كانت تحلو الحياة معه، وكانت تحلو له الحياة.

السابق
النفوذ الإيراني: من الصحوة الإسلامية إلى الإرهاب التكفيري
التالي
مركز مقرب من خارجية إيران يقدم تقديرا متشائما لوضع سوريا