الجامعة ليست مدرسة ابتدائية!

ليس اعتراضاً على فتح فروع للجامعة اللبنانية في عكار أو الهرمل أو غيرهما. فمن حق كل الطلاب اللبنانيين الإنتساب إلى كليات جامعتهم الوطنية. لكن أن نهمل المجمعات الجامعية المقررة لمصلحة إنشاء فروع جديدة بلا دراسات ولا تخطيط مسبق، فتلك مسألة تحتاج الى وقفة تدقيق ونقاش حول الجدوى، وما إذا كانت الفروع التي ستستحدث تؤمن تعليماً جامعياً نوعياً يقوم على الجودة، قبل أن نتأسف عندما نجد أن الجامعة صارت مثل المدارس، بعدما باتت الفروع والشعب للجامعات الخاصة والجامعة اللبنانية منتشرة في كل مكان، حتى أن كل قرية باتت تطالب بفرع جامعي أو معهد، الى حد لم تعد جودة التعليم هي الأساس، فأطاحت ديموقراطية التعليم بها، وان كانت هناك استثناءات تبقى موجودة. قبل أن نقرر فتح فروع جديدة، ينبغي علينا مقاربة مستقبل التعليم العالي للبنانيين بالدرجة الأولى. فالتفريع عندما يحل مكان الدمج في مرحلة تتطلب جمع الطلاب وليس فصلهم على مستوى الطائفة والمذهب، يعني أن هناك مشكلة كبيرة، فالدمج هو سمة التعليم الجامعي أولاً، ومركزته في المدن الكبرى، فإذا كان انتشار المدارس في القرى مسألة طبيعية، وإن كانت المدرسة اليوم تختلط باللبنانيين والسوريين، إلا أن انتشار الفروع الجامعية على النحو الذي تتناسل فيه مناطقياً، هو مسألة غير طبيعية، ما يحد من إمكان التواصل بين الطلاب من المناطق ويؤدي الى تراجع المستوى، وتحويل الجامعة الى المفهوم القروي الذي لا ينتج بحوثاً علمية ولا يعزز العلاقات الأكاديمية الوحيدة القادرة على نقل الطالب من فضاء القرية الى المدينة والعصر.

اقرا ايضًا: اختصاص «الادب العربي»… في الجامعة اللبنانية فقط
سيكون على الجامعة، إعادة درس الوقائع ومستقبل التعليم فيها ووظيفته، لتقدم تعليماً نوعياً يرتكز على الجدوى، وليس بضغط مما تريده الطوائف في المناطق والقرى لإنشاء فروع وشعب جديدة، طالما أن هناك مجمعات مقررة تستطيع أن تجمع الطلاب في المحافظات وتراقب المستوى وتعزز من اندماج الطلاب. وينبغي عدم الاستسهال والانجراف الى ضرب مستوى التعليم العالي والجودة وتدمير التواصل بين المناطق والطلاب، تارة بحجة أن هذه الطائفة محرومة وتلك الثانية مظلومة، ثم استسهال رفع شعارات بائسة تأخذ من رصيد الجامعة ومستقبلها.
يبقى الموقع الأكاديمي للجامعة هو الأساس. ليس الاستعجال في التفريع الجديد حلاً لمشكلة الطلاب، ولمشكلتها أيضاً. الجامعة اللبنانية تحتاج إلى النهوض مجدداً على قواعد مختلفة، تبدأ بتحديد وظيفتها كجامعة تتميز بالبحث وبالاستقلالية، ثم تأتي الأبنية الجامعية والمجمعات والمختبرات والموازنة، للدفع باتجاه بناء مؤسسة متكاملة بمراكز دراسات بحثية وعلمية وتكنولوجية، إلى ترتيب أوضاع الأساتذة على أساس الكفاءة الأكاديمية والبحث. فأن تصبح الضغوط طلباً لفرع هنا وشعبة هناك بعنوان الإنماء المتوازن، ذلك يحول الجامعة الى مدرسة بفروع كثيرة!

السابق
إصلاحا للخلل(20): هل يحق للشيخ الخطيب الترشح كنائب لرئيس المجلس الشيعي؟
التالي
المحامي بزي يدعي ضد مجهول بإدخال منتج إسرائيلي إلى لبنان