نحن في وادٍ والزعماء في وادٍ

منذ أشهر والمستوى السياسي في لبنان مشغول بالتحضير للانتخابات النيابية القادمة. التحضير لا يتناول الآليات التي يمكن استخدامها لتأمين عدالة التمثيل. الكل مشغول بالتفتيش عن نظام انتخابي يستطيع كل زعيم من خلاله تأمين أكبر عدد ممكن من النواب التابعين له، وكل زعيم له قراءة خاصة به.

من يدافع عن النظام الأكثري يعتمد على رؤية أن هذا النظام يؤمن له أكثرية نواب من طائفته. ومن يريد المختلط بكل أنواعه يحاول الاستفادة على المستويين فيكون كالمنشار الذي يأكل من الخشب صعوداً ونزولاً، ومن يطالب بالنسبية الكاملة يعرف أن في جيبه أكثرية أصوات الناخبين من طائفته.

اقرأ أيضاً: متفائل.. وباقٍ في لبنان

لا أحد منهم يتحدث عن مواطنين لبنانيين، بل يتحدثون عن رعايا ملحقين بزعاماتهم ولا حول لهم ولا قوة. لا أحد يتحدث عن التصويت خارج القيد الطائفي، ويتبجحون أن في لبنان طوائف يجب أن تمثل، ولا يحاولون حك رأس لتحويل الطوائف إلى شعب واحد.

الانتخابات النيابية وبغض النظر عن النظام الذي سيستخدم ستكون وسيلة لإعادة إنتاج العلاقات السياسية السائدة. لا أحد منهم يتحدث عن الهيئة المستقلة المشرفة على الانتخابات ولا عن سرية الاقتراع ولا عن الصمت الإعلامي ولا عن الضغوطات التي تمارس حول مراكز الاقتراع ولا عن استخدام السلطة لتأمين فوز من تريد. من جهة أخرى يبدو ان منظمات المجتمع الأهلي والمدني لم يعد أمامها سوى الإصرار على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها. الأمر يبعث على السخرية، فإذا جرت الانتخابات أم لم تجر فالنتيجة واحدة والقرار سيبقى عند خمسة أو ستة أشخاص يمسكون السلطة من جميع أطرافها.


بالمقابل بعض اليسار يرفع شعار آخر، النسبية الكاملة خارج القيد الطائفي ولبنان دائرة واحدة. إنه شعار جميل، لكنه رؤية غير قابلة للتحقق بالمستقبل المنظور، ولهذا المطلب قصة أخرى لها علاقة بالتوازن بين المعارضة والسلطة.

في سبعينيات القرن الماضي، كانت الحركة الشعبية العابرة للطوائف في أوجها، النظام الطائفي اللبناني في عنق الزجاجة. البلد يعيش أزمة نظام سياسي فقد مبررات وجوده، لم يعد أمامه من حل سوى القمع أو الحرب الأهلية.

يومها ظن اليسار أن الفرصة التغيير سانحة من خلال تغيير الأنظمة الانتخابية، كان اليسار يرتكز على بنية اجتماعية واسعة تلف البلد من أقصاه إلى أقصاه. في شباط 1975 طرح هذا المطلب للمرة الأولى كمدخل للإصلاح السياسي وللتغيير ثم اعتمد في آب 1975 كجزء من برنامج إصلاح سياسي.

لكن اليوم، وبعد تبدد الحركة الشعبية واضمحلال المساحات المشتركة بين اللبنانيين وغياب كتل اجتماعية وازنة عابرة للطوائف، لم يعد لهذا المطلب قوة واقعية يمكن فرضه فبدا طرحه وكأنه هروب إلى الأمام.

اقرأ أيضاً: المحاصصة صيغة مبتكرة للاستبداد

إذن ما هو البديل؟ البديل إعادة بناء الحركة الشعبية العابرة للطوائف من خلال طرح وملاحقة وتراكم النضالات الجزئية. إننا نعيد ممارسة الحرب لأننا لا نقرأ التاريخ بشكل صحيح. ولنبني حركة شعبية ديموقراطية، لا حل أمامنا سوى قراءة تاريخ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.

السابق
«حزب الله» خارج سوريا بنقاط استراتيجية ثابتة
التالي
خفض سن الاقتراع حق طبيعي للشباب