سلسلة جنيف السورية طويلة

اليوم جنيف 4، بعده جنيف 5، ربما بين هذا وذاك آستانة 2، ولن يتحقق شيء فعلاً. رغم ذلك، يجب أن يستمر انعقاد المؤتمرات والجولات مهما بلغ عددها. طالما أن الحسم العسكري لن يتحقق في سوريا، من الضروري والواقعية السياسية أن يتعرّف الأعداء إلى بعضهم البعض. الحرب الداخلية سواء كانت أهلية أو سياسية، تولّد الخوف والشك بين الجميع من القمّة إلى القاعدة، وبين الأخ وأخيه. الأهم من كل هذا، وصول كل الأطراف والقوى إلى الاعتراف بالتعب والضعف إلى درجة الاستعداد والقبول بتقديم التنازلات المؤلمة الضرورية لصياغة المقدّمات الأولى للحل النهائي سواء كان اسمه «ميثاق» الطائف أو موسكو أو جنيف.

اقرأ أيضاً: إيران وإسرائيل وتركيا وتقلّباتها في سباقات النفوذ

الحرب في سوريا، والنزاعات حولها وبين كل أطرافها، تؤكد عدم وجود ثوابت وبالتالي غياب أهداف نهائية. التحوّلات والانقلابات هي الأساس.

قبل عام من كان يتصور أو يحسب وقوع انقلاب الموقف التركي وولادة تحالف روسي – تركي؟ لا أحد. قبل أشهر مَن كان يرى امكانية تقارب أميركي – روسي؟ لا أحد. انتخاب دونالد ترامب قَلَبَ المعادلة وفتح الأبواب أمام حدوث ما لم يكن محسوباً من أحد. لولا البنتاغون والمخابرات المركزية كان من المتوقع أن يذهب ترامب بسرعة بعيداً في التقارب مع الرئيس فلاديمير بوتين. البنتاغون وضع الرئيس أمام وقائع وقواعد فرملت اندفاعته غير المضبوطة في سرعتها واحتمالات نتائجها الانقلابية. الرئيس ترامب يمكن أن يقوم بما لم يكن أحد يتوقعه. لا شيء يمنعه من «الطلاق» مع «القيصر». إذا حصل ذلك، (مهما كان ذلك غير متوقع) فإن كل شيء يتغيّر في العمق.

إيران لم تغيّر مساراتها. من أجل سوريا انقلبت على الثورة بأمر من المرشد آية الله علي خامنئي وتحالفت مع موسكو. المزاج الشعبي الإيراني المتكوّن منذ مئات السنين زائد «التشكل الثوري» طوال أربعة عقود تقريباً، يحول دون قيام الثقة المطلوبة لتثبيت التحالف. تقدم موسكو في سوريا، مع تجاوز موقع إيران واضح. موسكو تحسب حساب واشنطن في هذه العلاقة وتطورها، الأخطر أن موسكو تتعامل مع طهران في سوريا على حدود إسرائيل، مما يجبرها على أخذ الموقف الإسرائيلي في الاعتبار. من دون موافقة إسرائيل على كل التحركات الروسية، لا يمكنها التحرك بحرّية. لذلك إسرائيل تعرف في الوقت الذي يعرف فيه الروس ماذا سيفعلون في سوريا وكيف ومتى ينفذون. كل شيء بحسابه.

مشكلة المشاكل بالنسبة للمرشد آية الله علي خامنئي، أن ما تمناه طوال ربع قرن في إزاحة آية الله هاشمي رفسنجاني عن ثنائية القرار أو المعارضة المتحرّكة والهادئة وحتى الصامتة، أصبح قضية من الصعب حلها بعد غيابه. رفسنجاني كان «ضابط الايقاع» في «إيران العميقة». الآن يجد المرشد نفسه في مواجهة الجميع في وقت تتضاعف الاستحقاقات الداخلية والخارجية.

داخلياً، إهمال التنمية، وتهميش جبهات وعرقيات، خرجت آثاره ومفاعيله إلى السطح. تجفيف مصادر المياه في اقليم «خوزستان» التي أهلها من العرب، وعدم تنميتها رغم أنها أرض النفط، بدأ يثير المتاعب لطهران. بداياتها متاعب بيئية في تعاقب عواصف الغبار ومن ثم انقطاع الكهرباء والماء وبالتالي العطش وإقفال المدارس والمكاتب الحكومية الرسمية حسب الإعلان الرسمي. الرئيس حسن روحاني، توجّه إلى المنطقة بعد أن اضطر خامنئي الى استقبال وفد من عرب «خوزستان» وطمأنتهم برعاية الدولة لهم. الخطابات لم تعد تكفي، يجب قيام مبادرات سريعة. القيادة والقوى الإيرانية تعرف جيداً أن إيران محاطة بــ«أحزمة» من القوميات يمكن أن تتحوّل إلى «أحزمة من نار» على وقع أزمات المنطقة وامتزاج الأسباب المتفجّرة سواء كانت بلوشية أو كردية أو عربية.

أما خارجياً، فإن ترامب قد لا يخيف إيران، لكنه يقلقها لأن الحرب مهما كانت أسبابها موجودة، إلا أن إشعالها له حسابات كثيرة، إذ من السهل الضغط على زر البداية، لكن من الصعب جداً الضغط على زر النهاية، لأنه لا يمكن حصوله إلا بجملة من الشروط والوقائع المعقّدة.

مشكلة إيران الخارجية الأولى اليوم هي سوريا. عندما تدخّلت إيران بأمر من المرشد في سوريا والعراق واليمن وثبتت حضورها في لبنان، كانت الاستراتيجية الإيرانية توسيع دائرة نفوذها الاقليمية للتفاوض من موقع القوّة سواء في الملف النووي أو غيره من الملفات. حالياً هذا التوسع الخارجي بدأ يولد ندوباً داخلية. العلاقة الروسية – الإيرانية المعقّدة وتطوّراتها الآنية في سوريا تثير التذمّر وحتى المعارضة إلى درجة المواجهة المباشِرة مع المرشد.

النائب الإصلاحي علي شكوري راد وضع «اصبعه» على الجرح السوري ـــ الروسي – الإيراني مباشرة. إذ قال:

* «نحن لا نملك لا مكاناً ولا قاعدة في سوريا (موسكو رفضت أن يكون لإيران قاعدة بحرية إلى جوارها في طرطوس) في حال رحيل حكومة بشار الأسد ستذهب استثماراتنا هباء».

* «روسيا تدخّلت في الأزمة لكنها لم تقطع ارتباطها بالمعارضة ولم تكن متعصبة في الدفاع عن الاسد». في قلب هذا «التعصّب» بصمات خامنئي الذي رفض البحث في التخلي حاضراً ومستقبلاً عن الأسد.

هذا الاعتراض وهذا الاتهام الضمني المباشر للمرشد خامنئي جزء من المعركة الداخلية الدائرة حول رئاسة الجمهورية، يجب انتظار ما سيتلو هذه القراءة العلنية للخسارة الإيرانية في سوريا والاتهام الضمني ولكن الواضح بأن المرشد هو المسؤول عن الخسارة الكاملة متى وقعت. حرب «السكاكين الطويلة» التي بدأت ستطال الجميع ولن يكون فيها محظورات، بعد أن غاب «ضابط الايقاع» التاريخي.

السابق
اميركا على موعد مع «ووترغيت» جديد.. فهل يقترب ترامب من النهاية؟
التالي
«المستقبل الجنوب» نظم ندوة حول قوانين الانتخابات المقترحة