لهذا أحجب الثقة

نديم قطيش

دولة رئيس مجلس النواب،
دولة رئيس مجلس الوزراء،
السادة النواب والوزراء
هالني في نص البيان الوزاري الذي تقدمت به الحكومة أمام البرلمان لنيل الثقة، أن تمر المقاومة مرورًا عابرًا لا يليق بتضحياتها ولا بتضحياتنا من أجل استمرارها حتى بعد عرس التحرير عام 2000.
يقول بيانكم: «تؤكد الحكومة واجب الدولة وسعيها لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، وذلك بشتى الوسائل المشروعة، مع التأكيد على الحق للمواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الإسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة».
دولة الرئيس،
يؤسفني أن يقتصر عنوان المقاومة على عبارات فضفاضة، هي أقرب إلى إعلان ضعيف وخجول للنيات، من دون أي برنامج عمل أو جدول زمني للمقاومة والتحرير لتحقيق الأهداف المشار إليها في الفقرة أعلاه. فمن جهة، هناك تأكيد على «واجب الدولة» من دون تحديد الآليات المزمع اتباعها للقيام بهذا الواجب. ومن جهة أخرى هناك تأكيد على «حق المواطنين» من دون الإشارة إلى أن هذا الحق لم يمارَس منذ عام 2000، إلا في إطار بالغ الضيق، بل هو أوصل في واحدة من انزلاقاته الخطيرة إلى حرب يوليو (تموز) 2006 المدمرة.
ليس خافيًا على المواطن اللبناني حجم التكاليف التي تكبدها لبنان واللبنانيون من أجل المقاومة، وهم لا يريدونها عنوانًا وشعارًا في جملة اعتراضية في بيان وزاري.
لقد دُمرت بيوت واستُشهد مواطنون، وحصلت معارك سياسية كبرى، وجرت اغتيالات مرعبة، وتشقق المجتمع، وتعطلت الدولة، واضطربت علاقات لبنان الداخلية وعلاقاته العربية، وضعف الاقتصاد وتراجع النمو، وانهارت مرتكزات الثقة بلبنان، وكل ذلك في سياق الخلاف حول المقاومة ودورها ومستقبلها وحدودها.
منذ عام 2000، وتحرير الجنوب وأجزاء من البقاع، بات كل شيء في لبنان يدور مباشرة أو مداورة حول المقاومة. عاد المسيحيون إلى الفعالية السياسية من بوابة بيان المطارنة الموارنة في سبتمبر (أيلول) 2000، داعين إلى استكمال التحرير بالانسحاب السوري من لبنان. وعارض هذا المنحى من عارض يومها، بأن الهدف المضمر لطلاب السيادة والاستقلال هو إضعاف المقاومة عبر إضعاف سوريا الأسد. وكرت السبحة.
كان تسلم جيل جديد الحكم في سوريا، وانطلق في حملة تصفية سياسية لأعداء المقاومة المفترضين، وعلى رأسهم «الشهيد» رفيق الحريري. ثم كانت مبادرة بيروت للسلام عام 2002، واجتياح العراق 2003، وتهديد سوريا، عبر إقرار الكونغرس الأميركي «قانون محاسبة سوريا» خريف 2003، ثم صدور القرار 1559 في 2 سبتمبر 2004، ثم بداية الردود الدموية بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة وصولاً إلى افتتاح حمام الدم الطويل باغتيال رفيق الحريري في 14 فبراير (شباط) 2005، والمتوقفة حلقاته عند اغتيال الوزير الحبيب محمد شطح في 27 ديسمبر (كانون الأول) وهو للمناسبة اليوم نفسه الذي نناقش فيه بيانكم الوزاري.
دولة الرئيس،
طوال هذا التاريخ كان الصراع يتخذ صفة الصراع على المقاومة، بين فريق يزعم حمايتها والدفاع عنها وفريق متهم بالتآمر عليها. وطوال هذا التاريخ لم تحضر المقاومة إلا بوصفها فكرة وعنوانًا وقيمة، لا بوصفها ممارسة على أرض الواقع. وبعد الدخول في الحرب السورية، الذي بُرر أيضًا بأنه بهدف حماية المقاومة، صار قادة «حزب الله» يعبرون علنًا بأنه ليس بين أولوياتهم مواجهة إسرائيل عسكريًا. أي صاروا يعبرون عن أقصى درجات التمسك بحماية المقاومة وممارسة أقصى درجات البراغماتية في عدم ممارستها، أقله تجاه إسرائيل. وتحول الحق في المقاومة إلى كلام ممجوج، وصياغات لفظية، لا صلة لها بالمقاومة الحقيقية.
دولة الرئيس،
إما أن تكون لنا مقاومة أو لا تكون. وعليه فلنقلع عن هذا التذاكي اللغوي، ولنمارس واجبنا كدولة وحقنا كمواطنين لتحرير ما بقي من أرض محتلة وردّ ما قد يستجد من اعتداءات.
تريدون مقاومة؟ حسنًا خذوا منها ما شئتم.

إقرأ أيضاً: «حزب الله» في وجه العهد اللبناني الجديد

دولة الرئيس،
أطالب الحكومة بأن تجري تعديلات جوهرية على بيانها الوزاري ربطًا بعنوان المقاومة على نحو فعال وتفصيلي.
أولاً:
إن مسؤولية الحكومة واضحة في ضرورة تبني المقاومة الفورية لإسرائيل، من خلال وضع جدول زمني لا يتجاوز الأشهر الستة لإطلاق حرب تحرير نوعية ضد الكيان الصهيوني، يقودها «حزب الله» بالتعاون والتنسيق مع حكومتكم الكريمة، بغية استرجاع الأراضي المحتلة، واستعادة السيادة النفطية اللبنانية على المناطق المتنازع عليها في البحر الأبيض المتوسط.
ثانيًا:
أطالب الحكومة بأن تناقش في أولى جلساتها رسالة موجهة إلى مجلس الأمن الدولي تطلب إبطال مفاعيل القرار الأممي 1701، أو إعلان تنصل لبنان من موجباته، هو الذي ينص على بنود تعيق المقاومة وتحد من حركيتها.
ثالثًا، أطالب حكومتكم العتيدة بمناقشة جدوى نشر الجيش اللبناني على طول الحدود الجنوبية، ما لم يكن انتشاره يشكل حالة تكاملية مع مشروع التحرير الذي دعوت لإطلاقه.

إقرأ أيضاً: سليم لـ«جنوبية»: حزب الله اختلس المواطنة من اللبنانيين في البيان الوزاري!

تكلفت المقاومة وكلفتنا الكثير، فإما أن تكون مقاومة وإما أن نكف عن استنزاف هذا العنوان المبارك في تاريخ التجربة اللبنانية بكلام منافق وزجلي.
حتى تحقيق ذلك، أعلن حجب الثقة عن حكومتكم من جانبي.
عشتم وعاش لبنان

السابق
الثورة السوريّة التي نظّفت وانهزمت
التالي
بالفيديو: السفير تطفئ أنوارها