النظام «العادل».. في التدمير والتهجير

لم تغب طائرات النظام السوري طيلة ثمانٍ وأربعين ساعة عن سماء مدن وبلدات الغوطة الشرقية وخصوصاً بلدة «دوما» التي لم يُبقِ فيها النظام منزلاً، إلّأ وسوّاه بالأرض ولا عائلة إلا وحصد منها شهيداً على الأقل. براميل مُتفجرة، عشرات الصواريخ الموجهة وأخرى من نوع أرض – أرض، وأكثر من مئتين قذيفة هاون، كل هذا الحقد نزل على بلدة يخنقها الحصار ويلفّها منذ أربعة أعوام، ومع هذا بقيت شامخة غير آبهة لا بالمجازر اليومية ولا بمحاولات اقتحامها بشكل يومي على يد النظام وحلفائه، في طليعتهم «حزب الله«.

عشرات الشهداء ومثلهم جرحى هم ضحايا النظام في الغوطة الشرقية أمس من خلال قصفه حرستا، عربين، حزة، سقبا وحمورية وغيرها من البلدات، كل هذا لم يمنع الفصائل المُسلّحة في هذا المحيط من استعادة النقاط التي سبق وتقدمت اليها قوّات النظام و»حزب الله» والميليشيات العراقية والأفغانية، أمّا الأسباب التي تكمن وراء السعي الدائم للحلف «الممانع» لإسقاط الغوطة الشرقية، كونها تُعتبر الخاصرة الرخوة للعاصمة دمشق بالإضافة إلى السبب الأبرز والأهم وهو أنه من دونها، لا يُمكن الوصول إلى خارطة «سوريا المفيدة» التي من أجلها سبق للغوطة أن استُهدفت بالسلاح الكيميائي وفيها ارتكب النظام أكبر عدد من مجازره.

أمام هذا الواقع الذي يتأكد كل يوم بأن نظام بشّار الأسد لا يُمكن أن يكون جزءاً من الحل في سوريا خصوصاً وأنه قد امتهن قتل الأطفال والنساء والشيوخ منذ سنوات خمس، وإلى اليوم ما زال يسير على النهج نفسه حيث يقوم بتوزيع جرائمه بالتوازي، بين حلب وإدلب وحماة والغوطة، لكن الأبرز، يكمن في السؤال عن الدور الذي يقوم به «حزب الله» حليف النظام الأبرز في هذه الحرب والذي يُفترض أنه عانى من الأمر نفسه في زمن الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، مع العلم أن صمته يحوّله في مكان ما إلى شريك سواء أكان مُشاركاً في بعض جرائم النظام، أو ساكتاً عنها، والأرجح أن الحزب شارك في الاثنين معاً وهذا ما سبق وأظهرته مشاهد مصوّرة لبعض عناصره وهم يلتقطون صوراً لأنفسهم إمّا أمام جثث مُحترقة، وإمّا أثناء تعذيبهم لعناصر وقعوا في الأسر.

المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وفي معرض ردها على جرائم النظام السوري، أكدت أمس الأوّل أن «السوريين جاؤونا هرباً من النظام السوري وليس داعش، وأن الأسد لا يمكن أن يكون حليفنا، فهو قصف شعبه بشكل مُخيف جداً، مُستخدماً البراميل المُتفجّرة»، مُحمّلة الأسد «مسؤولية المأساة الإنسانية التي تشهدها مدينة حلب«.

إقرأ أيضاً: ترامب كما أوباما يريد استنزاف روسيا في سوريا
يؤكد السوريون أن تورّط «حزب الله» بالدم السوري إلى جانب الأسد، هو أمر ليس بجديد ولا يعود أيضاً إلى يوم إعلان السيد حسن نصرالله التدخل في العام 2013. النشطاء السوريون يعودون إلى أوائل العام 2011 ليؤكدوا أنهم في ذلك الحين، أصدروا بياناً اتهموا فيه الحزب بالمشاركة في أعمال القمع التي اندلعت في درعا، وتبع ذلك بيان مشابه لطلاب جامعة دمشق في نيسان 2011، ثم جاءت شهادة الجندي المنشق والفار إلى تركيا أحمد خلف، وتلتهم مجموعة بيانات موثقة بالصوت والصورة، تُظهر هذا التدخل بشكل واضح.

جرائم النظام السوري وغضّ طرف «حزب الله« عنها، لم تقتصر على عمليات الإبادة التي يشنها الطيران أو قصف المدنيين بقنابل تحمل أنواعاً من المواد القاتلة، بل تصل إلى حد قتل مساجين تحت التعذيب على الرغم من الدعوات التي يُطلقها نظام الأسد، إلى المسلحين من أجل تسليم أنفسهم وأسلحتهم، مع وعود بمعاملتهم بشكل لائق وإخضاعهم لمحاكمات عادلة. وتأكيداً على إجرامه، تكشف منظمة العفو الدولية «أمنيستي« في تقرير لها، أن «ثمانية عشر ألف شخص تقريباً، قضوا تحت التعذيب في سجون النظام منذ العام 2011 وحتى العام 2015، إثر تعرضهم للضرب المبرح والاغتصاب في السجن«، مؤكدة أنها «وثّقت تلك الأرقام من خلال مقابلات مع خمسة وستين شخصاً من الناجين من التعذيب، إذ قدموا وصفاً للاعتداء المروّع في السجون ومراكز الاعتقال التابعة للنظام«.

إقرأ أيضاً: لواء جديد من عناصر حزب الله يتوجه إلى سوريا: معركة إدلب قادمة!

حتّى اليوم، لم تشفع بلدة الثمانين مسجداً وربما أكثر المُحاصرة منذ سنوات ولا حتّى دعوات أهاليها وصلواتهم رغم حالات الجوع والعطش، في إبعاد شبح الموت ونار البراميل المتفجرة عن أطفالها ولا بتحريك مشاعر حلفاء النظام الذين ادّعوا دخولهم الحرب من أجل حماية المقامات المُقدسة. كما هو معلوم، فإن أهالي الغوطة كانوا من الأوائل الذين استقبلوا جمهور «حزب الله»، يوم نزح من مناطقه باتجاههم خلال عدوان تموز. أمس لم يسأل أهالي دوما الحزب عن رد الجميل ولم يطلبوا منه شربة ماء ولا حتّى حمايتهم ولا إنصافهم في الموت بعد التنكّر لهم في الحياة، بل كل ما توسلوه لا يتجاوز كلمة «الرحمة«

السابق
جسر «إمبراطوري» إيراني بين القصير السورية وتلعفر العراقية
التالي
بالصور: إيران تشيع 13 قتيلاً سقطوا في حلب