الباب بحلب.. أم الباب وحلب؟

ماجد عزام

نشر موقع خبر التركي الإخباري الأسبوع الماضي-28 تشرين أول إكتوبر- مقالاً تحدث عن عرض روسيا على تركيا معادلة الباب مقابل حلب، أي أن تأخد قوات الجيش الحر مدينة الباب مقابل تخلي المعارضة عن مدينة حلب. الردّ التركي كان الرفض القاطع، وهو ما عبر عنه صراحة الرئيس أردوغان الذي تعمّد الإفصاح علناً عن الموقف التركي، وإن بطريقة ديبلوماسية هادئة، حيث قال في اجتماع مع المخاتير في القصر الجمهوري وبالحرف الواحد: “لقد تحدثت في هذا الشأن مع بوتين أيضاً، علينا أن نحارب في حلب ضد الإرهاب، ولكن حلب للحلبيين، من المهم أن نوضح ذلك. فليس من الصواب أن نحاول تصفية حساباتنا عبر حلب. وهناك علاقة قرابة بيننا وبين الحلبيين، فإن أصاب حلب أي سوء فإن أول مكان سيلجأ إليه شعبها هو غازي عنتاب وكيليس”.

اقرأ أيضاً: الإسلام الفردي يُقلقل نظام «ولاية الفقيه»

بعدها بأيام-الاثنين 31 تشرين أول إكتوبر- نشرت صحيفة يني شفق المؤيدة للحكومة أيضاً تقريراً نقلت فيه عن مصدر حكومي أن روسيا طوّرت مقاربتها أو عرضها لتركيا لتصبح معادلتها الباب وحلب للمعارضة الى ستنسحب قوات النظام منها مقابل الحفاظ على خطوط التماس الحالية، أو المواقع الأخرى التى ما زالت يحتلها فى الشام حمص والساحل، وبالتالى ضمان بقاء ما تعرف بسورية المفيدة للنظام إلى أن يحين أوان البحث عن حل سياسي.
الصحيفة التركية إعتبرت كذلك إن توقف الغارات الروسية على حلب ورفض الرئيس الروسي بوتين استئنافها يأتي أصلاً في هذا السياق.

يني شفق قالت أيضاً إن الهدف أو الغرض الاساسى للعرض الروسي يتمثل بإفشال المخطط الأمريكي الذي يرمي إلى إقامة كيان أو قوس كردي لبي كاكا السوري يمتد من الحسكة الرقة عين العرب منبج شرقاً ومروراً بمارع وأعزاز، وصولاً إلى عفرين في الغرب. وإن هذا الكيان سيكون رأس الحربة للسياسة الأمريكية، ومعقل للمعكسرات والقواعد الأمريكية وسيشكل تهيد صريح للمصالح الروسية في روسية والمنطقة بشكل عام.

قصة الباب مقابل حلب تبدو منطقية واقعية أكثر لعدة أسباب منها أن الرئيس أردوغان تحدث عنها مباشرة أو ردّ عليها صراحة، وبشكل علني إضافة إلى أن حيثياتها لا تجافي أو تنقض الواقع مستجدات وتطورات الأمور في سورية، فموسكو تعرف أهمية الباب للجيش الحرّ ولتركيا، وهي لا تريد الغرق في المستنقع الحلبي أو خوض معركة استنزاف طويلة، حتى لو أرادت اتباع الخيار الشيشاني- خيار غروزنى- لأن الواقع مختلف والنتيجة غير مضمونة بالتأكيد.

حلب

إلا أن الموقف أو الرفض التركي يبدو مفهوم أيضاً كون الامور تسير في صالحها والجيش الحر في وضع يسمح له بانتزاع الباب، ومن ثم التوجه إلى منبج، وربما حتى الرقة بعد ذلك، و تحرير مدينة الباب ضروري ليس فقط لهزيمة ودحر داعش نهائياً، وإقامة المنطقة الآمنة وفق ما هو مخطط لها، وإنما لمنع حزب بي كاكا السوري من وصل عفرين بمنبج واقامة كيانه البغيض ولعزل الحزب وجعل معركة أو تحرير منبج أكثر سهولة وكلفة، علما أنها محسومة اصلا ووباتت قصة وقت منذ انطلاق درع الفرات، وتحرير جرابس ومحيطها وسيضطر الحزب الأداة إلى الخضوع لرغبة أسياده في واشنطن،والانسحاب الى شرق الفرات وهو غالبا لن يخوض المعركة الخاسرة ميدانياً إلا على المستوى الإعلامي، فقط بالتعاون مع إعلام الفلول والحشد الشعبي الإعلامي المساند له.

أما تقرير يني شفق فيبدو مختلف وهو لم ينل تأكيد او حتى تعليق من أي جهة تركية رسمية أو وسيلة اعلامية أخرى، ومع ذلك يجب الاهتمام به أيضاً لعدة أسباب منها أن الصحيفة وثيقة الصلة بالحكومة، وحزب العدالة والتنمية الحاكم، وهي نقلته أصلاً عن مصدر حكومى مطلع، إضافة طبعاً إلى المشهد السياسي الميداني في سورية وصمود المعارضة، وإصرارها على المزيد منه في حلب وباقي المناطق السورية.

مع الانتباه الى أن التهديدات الروسية الأخيرة تجاه حلب بدت وكأنها موجهة أكثر لأمريكا وأوروبا منها للمعارضة السورية، وعلى طريق بلطجي أو أزعر الحارة – امسكوني – كون موسكو تعرف أن معركة حلب لن تكون سهلة، وستكون معركة استنزاف طويلة لها. أما الفكرة القائلة بالتوجه إلى إدلب بعد إحراق حلب، ومحاولة احتلال كامل سورية، فتبدو مجنونة أكثر ووصفة للانتحار ليس إلا غير أنها قد لا تكون غريبة على طريقة التفكير السوفيتي الجديدة القديمة السائدة الآن في الكرملين.

عموماً قد تكون موسكو فكرت فعلاً وجسّت نبض أنقرة في معادلة الباب مقابل حلب، لتحاشى معركة استنزاف طويلة مرهقة وكلفة باهظة عسكرياً و اقتصادياً ، إضافة الى ردود فعل سياسية واعلامية دولية غاضبة ، غير أن أنقرة الواثقة فى قدرة الجيش الحر على إنتزاع الباب لا تبدو مضطرة وهى اخلاقياً وسياسياً ليست اصلاً بصدد تقديم أى تنازلات فى حلب كما أشار الرئيس اردوغان شخصياً، وربما تكون موسكو فكرت فعلاً فى التخلى حتى عن حلب مقابل الحفاظ على مناطق مضمونة للنظام في سورية المفيدة، وضمان ألا تفكر المعارضة في التقدم أكثر من حلب أو أكثر من درعا في الجنوب والحفاظ على خطوط التماس الحالية بعد إفشال فكرة الكيان الكردي الأمريكي، وضمان مصالح روسيا في أي تسوية سياسية محتملة، التسوية التي ستنتظر بالتاكيد الإدارة الأمريكية الجديدة وحسمها لتوجهاتها وسياساتها العامة في سورية والمنطقة بشكل عام.

وقد تكون القصة مناورة من موسكو لكسب الوقت وحشد قوتها لخوض المعركة فى حلب وتبرير ما ستقدم عليه غير أن هذا كله لا يلغى حقيقة أن الباب هى لأهلها كما حلب للحلببين و سورية للسوريين، وروسيا اذا ما أرادت فعلاً تحاشى الغرق فى الوحل السورى وتكبد مزيد من الخسائر المادية والبشرية، فعليها الإعلان الصريح عن إستعدادها لتسوية سياسية عادلة وشاملة وقابلة للحياة وفق إعلان جنيف ، كون الهروب الجنونى الى الأمام عبر الخيار الشيشانى الانتحارى غير قابل للتحقيق او الانتصار فى سورية على بعد ألاف الأميال من موسكو، تماما كما إعادة النظام الميت سريرياً الى قيد الحياة من جديد.

السابق
مصادر الجيش الحرّ لجنوبية: فصائلنا على الحدود التركية لن تسمح بسقوط حلب
التالي
ما بعد داعش: مصير «الداعشية» السنيّة الشيعيّة؟