الرقابة الإيرانية في لبنان

كثيراً ما طُرح السؤال في لبنان، عن معنى أن تكون جهة أمنية هي المسؤولة عن الرقابة على الأفلام والمسرحيات والأغاني في هذا البلد، وكثيراً ما يُطرح السؤال عن المعايير التي تتبعها الرقابة في قرارتها، وهي تتأرجح بين المبهمة والسياسية والدينية والأخلاقية.. وكثيراً أيضاً ما افتعل بعض الأشخاص حدثاً رقابياً لهدف الشهرة أو المجد أو ادعاء مواجهة السلطة، وهذه حالات لا نود الدخول في تفاصيلها الآن…

الواضح من خلال مسار الأفلام أو المسرحيات التي منعت، أن الرقابة لها “قواعد” طائفية سياسية قبل كل شيء،. فالكثير من هذه القرارات يأتي نتيجة توصيات من بعض الجهات الدينية أو الطائفية في لبنان مثل كتاب “شيفرة دافنشي” حيث اعتبرها قادة الكنيسة الكاثوليكية مسيئة للدين المسيحي، أو كتب الصادق النيهوم التي صودت العام 1994 لأنها “منافية للاسلام”، وحصل ذلك بطلب من دار الفتوى، والتوصيات الرقابية حين تتم، تأتي من أشخاص أو وكلاء يعتبرون أنفسهم أكثير وعياً من الجمهور والقراء، ويظنون أنفسهم أصحاب وكالة على الأرض.

الأمر الأكثر وضوحاً في الرقابة هي منه كل ما يمس سوريا وإيران، وتجلى ذلك في أكثر من محطة، ففي العام 2011 منع الأمن العام اللبناني عرض فيلم المخرجة الإيرانية هانا مخملباف: “الأيام الخضراء” في بيروت، وهو وثائقي يصور تظاهرات إيران بعد انتخابات العام 2009 بعين التعاطف مع “الثورة الخضراء”، واليوم تُستأنف الرقابة بمنع عرض ثلاثة أفلام في مهرجات بيروت الدولي السينمائي، بينها فيلم سوري وآخر إيراني، وذلك لأسباب “سياسية، ما أثار غضب محبي الفن والثقافة في العاصمة اللبنانية.

وفي حين لم يُثِر منع الأمن العام، عرضَ فيلم “أمور شخصية” للمخرجة الفلسطينية مها حاج، جدلاً، باعتبار تمويله الإسرائيلي (وهذا ما يشكل مفتاحاً للحديث كيف أن إسرائيل تستعمل بعض نجوم عرب 48 للوصول الى المهرجانات العالمية، ففي حين ان الجهد للفلسطينيين والهوية فلسطينية في التمثيل والاخراج، تستقبل الأفلام في المهرجانات الدولية الغربية باعتبارها إسرائيلية)…

إلا أن حظر عرض الفيلمين السوري والإيراني، لاقى ردود أفعال شاجبة، واعتبر بعض الكتّاب أن “الجناح السينمائي لحزب الله” هو مَن منع الأفلام. واعتبر نشطاء أن السبب الحقيقي وراء منع عرض فيلم “كأس العالم”، للسوريين محمد وأحمد ملص، ليس باعتباره، كما قيل، يمس أحزاباً وشخصيات لبنانية، بل لأن الأخوين معارضان للرئيس السوري بشار الأسد، والفيلم يتحدث عن الكرة والحرب (ومن دون شك تقلصت كثيراً الرقابة على الموضوع السوري، ففي زمن غازي كنعان ورستم غزالي كان ممنوعاً على الصحافي التفكير بالكتابة ضد النظام السوري، وكان رموز “الوجود السوري في لبنان” يتدخلون في الشاردة والواردة)…

اقرأ أيضاً : الرقابة اللبنانية على الأفلام: عين حزب الله الساهرة!

أما فيلم “ليالي شارع زايندة”، للمخرج الإيراني المعارض محسن مخملباف، فلم يحصل على إجازة العرض بحجة “المساس بدولة صديقة”، والفيلم بحسب تعريفه، يشكل بدايات الخلاف بين مخملباف ونظام الجمهورية الإسلامية في إيران، الذي كان هو من أشد المدافعين عنه، وبداية مخاض طويل من التحول انتهى بترك مخملباف لبلاده، والانتقال للعيش في المنفى الاختياري بعد وصول الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد إلى السلطة. وخُصّص افتتاح تظاهرة الأفلام الكلاسيكية في الدورة 73 لمهرجان فينيسيا السينمائي، لعرض فيلم مخملباف المنتج العام 1990. وجاء ذلك بعدما تمكن المخرج من استعادة نسخته وترميمها، وكانت قد ظلت مخزونة في أقبية الرقابة الإيرانية أكثر من ربع قرن.

آراء كثيرة قيلت حول منع الأفلام في مهرجان بيروت للسينما. بعضهم قال إن السياسة تطغى على المهرجان وهذا صحيح، وبعضهم دعا الى إيقاف المهرجان احتجاجاً على المنع، وهذا أمر غير مجد. وأعربت مديرة المهرجان، كوليت نوفل، عن أملها في ألا تتداخل السياسة والفن، وقالت “لو يتركون الفن والثقافة للفنانين والثقافيين، ويتركون السياسة للسياسيين.. فلا يخلطون بين الاثنين”…

اقرأ أيضاً : من هو المخرج الإيراني المعارض مخملباف الذي هاجمه نصرالله؟

وهذا تسطيح للموضوع، كل شيء متداخل في هذا الزمن، السينما تقول رأيها في السياسة وكذا الأدب والمسرح، والأمر يتعلق بحرية التعبير أولاً وأخيراً، وثانياً دور بيروت كفضاء للتلاقي والحرية. أما معظم شعارات الرقابة اللبنانية، فيبدو مبهماً وغير مُجدٍ واستعراضياً، لإرضاء بعض الجهات المحلية والاقليمية. فيمكن لأي عاشق للسينما أن يشاهد أفلام مخملباف عبر الانترنت، وكذا الامر لفيلم الأخوين ملص، وتكون النتيجة أن الرقابة تمارس أدواراً شكلية مزعجة، نتيجتها أن خبر المنع أكثر ضجيجاً من خبر المهرجان… الى جانب أن الرقابة تمارس، بشكل غير مباشرة، دعاية للأفلام الممنوعة…

لا جدوى من الرقابة أيتها الرقابة، الانترنت تحطم الجدران والأوهام…

 

السابق
لماذا وافقت إيران على عدم دخول «الحشد الشعبي» إلى مدينة الموصل؟
التالي
حتى إبنة ترامب لم تسلم من إيحاءات أبيها الجنسية!