الخيار الشيعي اللبناني للرئيس بري هل يزعج حزب الله؟‏

يبرز هذه الايام تمايز خطاب حركة أمل عن حزب الله خصوصا في الخطاب الأخير للرئيس نبيه بري الذي وصف فيه الحرب السورية بالخدمة لاسرائيل، مقابل حزب الله الذي يصفها "بالمقدسة". فهل يمكن البناء على هذا التمايز للقول ان تغييرا سوف يحصل لصالح لبننة القرار الشيعي في المستقبل وابتعاده عن الوصاية الايرانية؟

بعد الاجتياح الاسرائيلي في ثمانينات القرن الماضي بدأت الطائفة الشيعية في لبنان تتلمس مشروعًا سياسيًا جديدًا، وذلك تزامنًا مع انتصار الثورة الاسلامية في ايران يقيادة الامام الخميني الذي أطلق شعار ي”تصدير الثورة والوحدة الاسلامية”، وكان من البديهي أن يسعى النظام الجديد في ايران الى جذب جميع الشيعة العرب، قبل أن يباشر بتنفيذ مشروعه الوحدوي.

اقرأ أيضاً: في ذكرى غياب الامام الصدر: الطائفة الشيعية تحرم نفسها

وعلى الرغم من انّ المشروع الايراني وجد حليفًا قويًا له وهي سوريا التي كانت تهيمن على لبنان بشكل كلّي، إلاّ أن الاسد لم يلائمه استحواذ ايران على الشيعة اللبنانيين بشكل كبير، وان كانت سوريا قد سمحت لايران بانشاء تنظيم “حزب الله” ودعمه الا أنها لم تسمح له ان يبسط سيطرته بالقوة على الساحة الشيعية فظلت تدعم حركة أمل وتوكلها ادوارًا مهمة في السلطة اللبنانية.

فبالتالي إن حركة أمل التي ترأسها نبيه بري واصبح يحتل منصب الكرسي الثانية منذ العام 1992، هذه الحركة بقيت الاقوى داخل السلطة وعلى الارض، ولم تسمح سوريا لحزب الله بأن يهزمها عسكريا فدخلت القوات السورية مجددا الى بيروت عام 1987 لتحجيم النفوذ اليساري المدعوم من الفلسطينيين بشكل أساسي، وتحيجم النفوذ الايراني الذي كان قد بدأ بالظهور مع حزب الله، واعادت دمشق بعد هذا التاريخ تعويم حركة أمل برآسة بري لتكون له اليد العليا داخل الطائفة الشيعية. واذا كان حزب الله حينها يحتكر السلاح والمقاومة، فان حركة امل كانت تحتكر الحصة الشيعية في ادارات الدولة.

وبقيت هذه الحالة حتى عام 2005 وخروج الجيش السوري من لبنان، حينها فقدت حركة أمل الغطاء السوري ليبدأ حزب الله بتوسيع سيطرته بدعم من ايران وسوريا هذه المرة بوصفه وكيلا عن الدولتين الاقليميتين في لبنان، وهذا ما ادى الى استحواذه على التمثيل الاكبر من الساحة الشيعية ومن القرار السياسي للبنان بشكل عام.

إلاّ أنّه ومع بداية الحرب السورية أصبح حزب الله بحاجة الى غطاء لبناني شيعي بشكل خاص لحربه في سوريا، لذا فهو عاد وأعطى حركة أمل والرئيس نبيه بري الحصة شبه الكاملة في الدولة، مستثنيًا بعض المراكز العسكرية معينًا قادة مقربين منه.

وعلى الرغم من المحاولات الكثيرة للحزب من أجل انتزاع موقف صريح من حركة أمل وبري يعلن فيه دعمه مشاركة حزب الله في سوريا، إلاّ أنّ الأخير لم يفعل ولم يسجل له أي دعوة لمشاركة الشباب الشيعة للقتال في سوريا.

نجح بري بخلق تمايز داخل الساحة الشيعية الذي اتضح أنّ هذا التمايز هو حاجة شيعية شعبية، من خلال الحشود التي تلبي نداء الرئيس بري سنويًا في احتفالات ذكرى تغييب الامام موسى الصدر، وهذه النة كانت الحشود ملفتة قاربت الربع مليون شخص في مهرجان صور، وذلك على الرغم من سطوة حزب الله داخل الطائفة وقوته، ولكن يبدو ان خيار حالحزب الحربي  الذي استنزاف الشباب الشيعي في سوريا دفع الكثير من الشيعة الى التشبث بمنطق الرئيس بري وحركة أمل اللبناني،كونه اتخذ خيار النأي بالنفس عن الحرب السورية من أجل الشيعة أولاً ولبنان ثانيُا.

حزب الله

خيار بري اللبناني مقابل خيار حزب الله الايراني تجلى في خطاب رئيس حركة أمل في ذكرةى الصدر، وهذا التمايز تجسّد عندما وصف بري ما يجري من قتال في سوريا بأنّه لصالح اسرائيل، مقابل مواقف أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله المتكررة بأنّ الحرب السورية هي خدمة للقضية الفلسطينية وان طريق القدس تمرّ عبر دعم نظام الأسد حتى النهاية ولو ادى الامر الى قتل “ثلاث أرباعنا” كما قال في احدى خطبه. إذًا كيف يمكن وصف العلاقة بين أمل وحزب الله؟

وصف الكاتب السياسي الدكتور محمد علي مقلد العلاقة بين حركة أمل وحزب الله بأنّها «نار تحت الرماد» وأكّد في حديث لـ«جنوبية» أنّ « تاريخ علاقة الائتلاف بينهما اشبه بالتلفيق»، وأضاف أنّ «الخلاف على النفوذ بين حزب الله وأمل هو خلاف موجود في كل قرية عدا عن الخلاف في القيادة».

ولفت إلى أنّ الحرب بين الحزبين هي «بين عروبة الجنوب وفارسية الجنوب، بري يجعل الجنوب منطقة عربية».

محمد علي مقلد

وشدّد مقلد أنّه « لا يعوّل على خلاف داخلي بين حركة أمل حزب الله، لأنّ الأخير لا يريد خلافا طالما أنه باق في سوريا، لذلك فإن حزب الله متهاون مع بري ولا يمكن ترجمة تلميحات بري على الأرض، فالحزب مستعد أن يهادن كل القوى. لذلك قال حزب الله أن بري مرشحه الوحيد».

ورأى مقلد أنّ الرئيس بري يعبر عن موقف شيعي موجود وهو وطني ومعارض للتدخل السوري لأنّ أفق الحرب هناك مسدود وهناك تصاعد لعدد القتلى».

اقرأ أيضاً: حزب الله بعد الخروج من سوريا: التداعيات اللبنانية والعربية والاسلامية؟

وختم مقلد «نحن أمام معركة حول السياسة الشيعية في لبنان كما العراق، ولكن لا يمكن المراهنة كثيرا عليها بسبب التفاوت في موازين القوى».

السابق
اوباما حذر من عقوبات جديدة بعد التجربة النووية الكورية الشمالية
التالي
الاتحاد الدولي لكرة القدم يمنع قطبا مدينة مدريد الكرويان التعاقد مع لاعبين جدد