إلى متى سيدافع «حزب الله» مكان الجيش السوري؟

رغم قناعة أفراد وقياديي والبيئة الحاضنة لـ «حزب الله» اللبناني «بضرورة القتال في سورية كي لا تنعكس الحرب عليهم في لبنان وتدور رحاها في عقر دارهم»، إلا ان التململ والاستياء من أداء الجيش السوري لم يعد تحت الرماد، رغم عمق الحلف الاستراتيجي بين «حزب الله» ودمشق وبين ايران والنظام السوري الحالي.

ففي مدينة حلب، وبالأخصّ داخل الكلية الفنية الجوية، استيقظ عناصر «حزب الله» الموجودين داخل أحد المباني على صوت ضجيجٍ خارج المبنى ليلاحظوا ان مجموعة من الجهاديين الذين اقتحموا المنطقة التي كان يحرسها الجيش السوري أصبحوا أمام المدخل، ينشغلون بغنيمة السيارات وفي داخلها بطاقات شخصية لمقاتلي «حزب الله» الذين بقوا عشر ساعات محاصَرين داخل المبنى يشتبكون مع المهاجمين الى حين تأمين خروجهم الى منطقة بعيدة عن مسرح العمليات.

ويقول عناصر هذا التنظيم ان «هناك جهداً عالياً وتضحية بشرية تُبذل لاستعادة مناطق استراتيجية مهمة تتطلب أياماً وأسابيع ومشاركة أقوى فرقة في حزب الله تسمى (الرضوان) لاقتحام الأماكن الأكثر تحصناً ليصار الى تسليمها الى عناصر الجيش السوري بعد إنهاء السيطرة عليها والتقدم الى أماكن أخرى. الا ان المفاجأة تأتي عند ايّ هجوم للجهاديين وحلفائهم في المعارضة المعتدلة المسلّحة، اذ يستعيد هؤلاء بساعات أو يوم أو أكثر بقليل ما خسروه، لان روح القتال والعقيدة القتالية غير موجودة لدى عناصر الجيش السوري في شكل عام».

ولم تعد هذه «الحوادث» تقتصر فقط على مدينة حلب، بل حصلت مثلها في حمص ومناطق متقدمة أخرى حيث أصبحت تُتداول على لسان المقاتلين الموجودين في سورية. ويتساءل الجميع كيف يمكن الاستمرار في القتال بهذا النهج، اذ يستطيع «حزب الله» ان يقدّم الآلاف من المقاتلين للتواجد على جبهات عدة في الشمال السوري والوسط والجنوب، الا انه لا يملك عشرات الآلاف من الرجال للبقاء في أماكن السيطرة لأن لديه قوة مهاجمة فقط وليس قوة اضافية لتتمركز على مساحات شاسعة في الجغرافيا السورية.

إقرأ ايضاً: موسكو تعتذر لإسرائيل وتكشف كذب حزب الله

ويقول مقاتلو «حزب الله» في سورية ان «القتال مع الحلفاء له ثمن سلبي. فبمجرد ان يكون الهجوم قوياً على جبهة معيّنة، تبدأ قوى متمركزة بالانسحاب فيتبعها الجميع ويتركون المنطقة بأكملها، ولهذا فإن (حزب الله) أصبح يتبع أسلوباً مختلفاً بالقتال والمجابهة. فالجهاديون يهاجمون بعدد كبير جداً غير آبهين بأعداد القتلى وبالثمن المطلوب لأخذ نقطة معينة. ففي المعركة الأخيرة في حلب، خسر المهاجمون أكثر من ألف بين قتيل وجريح لفتح طريق لا تزال«غير آمنة». وهذا الثمن الباهظ لا يريد حزب الله دفعه لأن عامل الوقت غير أساسي في هذه المعركة الطويلة الأمد. فإذا أراد الجهاديون دفع الثمن مقابل تأمين إنجاز ما لتحسين مفاوضات او زيارة معينة (مثل لقاء الرئيسين التركي والروسي في سانت بطرسبورغ اليوم لبحث موضوع حلب خصوصاً وسورية عموماً)، فلا ضرر في ذلك لان (حزب الله) غير ملتزم بالوقت. ولهذا فان عدد قتلى الحزب قد تغير وتدنّى في شكل ملحوظ جداً منذ معركة القصير ولغاية معركة الكاستيلو وحلب».

لكن الشكوى لا تأتي فقط من الجيش السوري وعدم إمساكه بالأرض عند اشتداد المعركة، بل ايضاً من الحلفاء الآخرين، مثل القوى الأفغانية التي أحضرتها إيران الى أرض المعركة في سورية. فهؤلاء لديهم العقيدة اللازمة التي تدفعهم للمجيء الى بلاد الشام للقتال «دفاعاً عن المقدسات»، إلا أنهم يفتقرون للتدريب المطلوب لمجابهة الطرف المقابل الذي يملك الخبرة القتالية اللازمة والعقيدة ومعرفة الارض. واثبتت المعارضة المسلحة المعتدلة مدعومة بالجهاديين من خارج سورية قدرتها على حشد الآلاف في نقطة هجوم موحدة على طول جبهة حلب في المعركة التي لا تزال قائمة لغاية اليوم. وأتى هذا الحشد ليس فقط من حلب، بل من ادلب والوسط والجنوب ليصبح أكبر تجمع للمقاتلين تحت رايات مختلفة متنوعة المشارب، الا انها كانت تعمل ضمن غرفة عمليات مشتركة واحدة، تنسق في ما بينها ولم تتململ ولم تتهم بعضها البعض بالخيانة ومغادرة أرض المعركة كما كان يحصل في معارك سابقة.

إقرأ أيضاً: جماعة «حزب الله» تشكل خطرًا على الكويت

واذا استمر هذا الحلف كما هو عليه، فسيصعب على أي قوى كلاسيكية أو عصاباتية او جامعة بين الاثنين الصمود لوقت طويل، ولهذا، فإن وحدة المعارضة ومعها المجاهدون تستطيع ان تتقدم بسهولة الى مناطق أخرى تحت سيطرة النظام وحلفائه، رغم القصف المدفعي وتدخل الطيران السوري والروسي. وعلى هذا المنوال – الذي يصعب المحافظة عليه داخل المعارضة والمجاهدين – فان تقسيم سورية هو أحد الخيارات القوية التي وُضعت على الطاولة، ما يعني عدم استقرار بلاد الشام لفترة طويلة مقبلة.

السابق
حزب الله والنظام يتبادلان الاتهامات.. من بطل هزيمة حلب؟
التالي
مشروع «مديار» في ساحل الشوف: اتهامات لحزب الله… والأدلّة مؤجّلة