ملاك كحيل… عزيمة وإصرار لم يحبطهما العمر!

ملاك
كانت تتحرك بعجلة بين أروقة المبنى، تتنقل من غرفة إلى أخرى لإستكمال أوراقها، إذ بصوت يعترضها:"مدام بدك تسجلي حدا من ولادك؟"وعند ردها على السؤال ذهل السائل قائلا":"هل ستعلّمين الأموات؟!"

كل أحلامنا يمكن أن تتحقق إن كانت لدينا الشجاعة لمتابعتها…حلم ملاك كحيل، المرأة الستينية والأم لأربعة شباب، لم يمحه غبار الزمان، وقفت على ناصيته بكامل ثقتها، كسرت حواجز الخوف والخجل، وانطلقت لتشق طريق حلم الطفولة، جاعلة من المستحيل ممكن ومن الحلم واقع.

اقرأ أيضاً: أهانه عادل وكرّمه زافين: عبد الله طالب فضح ليل الثلاثاء؟

يقظة الحلم
العودة إلى مقاعد الدراسة الخشبية، والجلوس أمام الطاولات الصغيرة، بعد الإنقطاع لعقود عدة، ليس من السهل ولكن ملاك عادت إليها بإصرار وطموح، ما ساعدها بتخطي الكثير من العقبات، فالعمر لم يقف عائقا أمامها، وعائلتها لم تعارضها بل قدمت لها تشجيع حفزها على الإستمرار. لم يكن هدف ملاك كتابة الفصل الأخير من خريف العمر، بل كتابة الفصل الأكثر إشراقاً من حياتها الجديدة. عشق “دنيا الصحافة” جعلها تتقدم إلى الجامعة اللبنانية – كلية الإعلام والتوثيق، لتحقيق حلم راودها منذ الصغر من جهة وقضاء وقت مثمر من جهة أخرى. وتقول :”بعد سفر أولادي الأربعة إلى بلاد الله الواسعة بحثاً عن حياة كريمة، عانيت غربة قاسية وفراغا كبيرا بالرغم من عملي في حقل التعليم، لذلك لم أتردد أبداً بفكرة العودة إلى مقاعد الدراسة وتحقيق حلم لم تتسنُ لي الظروف لتحقيقه.”

الطموح المتواصل والسعي إلى تحقيق كفاءة ذاتية ومهنية دفعت ملاك إلى الإستمرار في العلم: “تخرجت بمعدل عال، ما دفعني لدراسة الماجستير1و2 وها أنا أتحضر لانهاء رسالة الماجستير، فما المانع؟ لا أعرف إن كنت سأعمل في هذا المجال ولا أدري إن كانت الظروف ستسنح لي بالعمل في أي وسيلة إعلامية، فلندع ذلك للآتي من الأيام”.

لدى السؤال عن الصعوبات التي واجهتها قالت لـ«جنوبية» :”في البداية لم يتقبل الزملاء وجودي بينهم، فكانوا يتبادلون النظرات والتساؤلات كلما دخلت قاعة المحاضرات، أما الدكاترة فلم تكن حالهم أفضل”. وتابعت:”في يوم من الأيام دخلت قاعة المحاضرات، وكانت معلمة اللغة الفرنسية تشرح، فنظرت إلي مستهجنة، ظناً منها أني دكتورة وأخطأت القاعة، فقلت لها:”مدام أنا طالبة في هذا الصف! فما كان من الطلاب إلاّ أن قهقهوا عالياً نظرت إليهم وخاطبتهم”بدل أن تضحكوا شجعوني!!!”. وأصبحت ملاك الأخت والأم والزميلة لطلاب من مختلف السنوات ونسجت أجمل العلاقات معهم. أحداث طريفة حدثت معها، ومواقف أكثرها محرجة، ولكنها لم تتقاعس ولم تهن إرادتها بل ثابرت.

تبدل الأدوار
“رب ضارة نافعة”، فبعد شعور ملاك بالوحدة والفراغ، دخلت الجامعة وعادت إلى مقاعد الجامعة بعد إنقطاع دام ثلاثين عاما”. وبعدما كانت تحمل هم أولادها وتتابعهم أثناء دراستهم، باتوا، أولادها، هم من يحملون همها، يسألونها عن دراستها، أصدقائها، ويشجعونها أثناء إمتحاناتها فكانت تستمد قوتها منهم.
“هذا الإهتمام حفزني كثيراً على المتابعة، كنت دائماً أقول لنفسي عيب يا ملاك ترسبي بالإمتحان شو بدن يقولوا عنك وائل وربيع وجاد وساري وكذلك متابعة من والدتي المسنة عندما تراني منهمكة تقول لي “تعي سمعلك يميه”.
في هذه المرحلة عانت ملاك من الذاكرة، فكانت تخونها في بعض الأوقات”إتصلت بولدي البكر، وهو طبيب متخصص بأمراض الشيخوخة والألزهايمر، شاكية له حال ذاكرتي، فشجعني قائلاً :”ماما الذاكرة مهملة منذ 30 عاما” وبدها تمرين لا تخافي هذه الحالة ستزول”هي فترة قصيرة مرت وبدأت ذاكرتي تستعيد نشاطها بفضل التمرين.”

تجربة الفيلم الوثائقي
التجارب تعطي دافع في الإرتقاء الفكري سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. ملاك إستمدت القوة من ضعفها، فقد مرت السنوات الثلاث دون أن تشعر بالوهن. إستعدت للنجاح، طورت مهاراتها وحققت أمالها دون أن تجعل من العمر “حاجز توقف”. أجمل ما أنجزته في هذه الفترة هو مشروع التخرج الذي قضى بإنتاج فيلم وثائقي تحت عنوان “الآباء العزاب”. تقول ملاك:”تجربة جديدة وكنت أشعر بالمتعة عند ترجمة الكلمات إلى صور”. أما اللحظة التي لا يمكن أن تمحيها الذاكرة هي إمتثالي أمام لجنة الدكاترة لتقييم الفيلم، وعند الإعجاب كنت أفتخر بنفسي، وعند الإنتقاد أناقش وأتقبله بصدر رحب”.

هذه المرأة علمتنا أهم دروس الحياة وأجملها. بعد ان عملت بالمثل القائل: “أطلب العلم من المهد إلى اللحد”.

 

السابق
جرعات وهمية لانعاش الملف الرئاسي.. و«فرنجية» يحسم: لا أحد يمون علي بالإنسحاب
التالي
المرض ام الريجيم سبب نحافة كارول سماحة؟