انتهى زمن الرومنسية في أوروبا!

علي حمادة

لم يعد مصطلح الإرهاب جزءا من لغة الديبلوماسيين أو المسؤولين في الدول، بل صار بعد أحداث باريس (في تشرين الثاني ٢٠١٥ وكانون الثاني ٢٠١٦) وبروكسيل ونيس، وقبل يومين في روان الفرنسية حيث استهدف كهنة داخل كنيستهم، صار حديث الاوروبيين العاديين، وقد تغيرت طقوس حياتهم اليومية، فصار التفتيش التلقائي جواز الدخول الوحيد للمواطن الى المحال التجارية، والمتاحف، والفنادق الكبيرة. لم يعتد الاوروبيون هذا النمط من الحياة، حيث يتم فيه تقديم المعطى الامني على ما عداه. في باريس يستحيل الوصول بالسيارة الى امام مداخل قصر الايليزيه كما كانت العادة. أما في لندن، فأمام قصر “ويستمنستر”، مقر البرلمان البريطاني، فقط جرى رفع حواجز (دشم) في محاذاة الاسوار ومن خارجها التي تصل من كاتدرائية “ويستمنستر” وصولا الى الجسر الذي يحمل الاسم نفسه، خوفا من اقتحام سيارة مفخخة اسوار مقر البرلمان.
في كاتدرائيتي “نوتردام” في باريس و”سانت بول” في لندن، التفتيش بفتح الحقائب الشخصية، وبتمريرها عبر الآلات الكاشفة. في ناطحتي السحاب “مونتبارناس” في باريس و”الشارد” اللتين تستقبلان الزوار بالمئات يأتون اليهما للصعود الى طبقاتها العليا لإلقاء نظرة من علو شاهق على كل من باريس ولندن لتفتيش يذكر بالتفتيش في المطارات.

اقرا ايضًا: إرهاب داعش يزداد وحشية في فرنسا… ماذا بعد ذبح الكاهن؟
لقد تغيرت أوروبا، وانتهى زمن الرومنسية الذي عرفناه عندما كنا طلابا في أواخر القرن الماضي. صارت شوارع المدن الكبرى شبيهة بشوارع مدن العالم العربي من حيث وضوح الحضور الامني والعسكري (الجيش) في كل مكان. وصار الجمهور مختلفا. ففي ليلة الاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي في باريس (الليلة نفسها لهجوم مدينة نيس)، وفيما كنت واقفا في الطريق بين آلاف الناس لمشاهدة الالعاب النارية التقليدية، سمعت خلفي امرأة تصرخ في وجه شاب وتتهمه بأنه دفعها بيده، وما كانت لحظات حتى خرج من بين الناس شرطيون بلباس مدني وأحاطوا بالشاب وأخرجوه من المكان من دون أي مراجعة! وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على ان اوروبا تعيش هاجس الامن في كل مكان وكل وقت. وقد اعترف لي صديق فرنسي بأنه بدأ يشعر بتغير نظرته في يومياته: نظرته الى الناس واشكالهم وعلامات وجوههم وما يحملونه من حقائب وغيرها. بدأ الامن يدخل عقول الاوروبيين ونفوسهم. لقد انتهت حقبة تاريخية.
بالطبع لم تصل الامور بعد حد التطابق في الحياة اليومية، وعلى المستوى الامني بين باريس او لندن وأي مدينة عربية حتى دبي. تبقى الحريات مصونة بشكل كبير، ويبقى القانون المرجعية الاساسية. لكن الزائر العربي لا بد انه يشعر بشيء من الضيق، وبخوف غريزي مما يخبئه المستقبل. ويقيني ان حياة العرب والمسلمين في الغرب لن تستمر كما كانت في العقود التي مرت. وخوفي كبير من تنامي مناخ كاره للمسلمين والعرب عبر اوروبا، قد يؤسس لأحداث مروعة!

(النهار)

السابق
اسرار الصحف المحلية الصادرة ليوم الخميس الواقع في 28 تموز 2016
التالي
نتانياهو الواشي بـ «تطبيع» سرّي مع دول عربية