ستة عوامل تطوق «حزب الله»

لم يسبق أن واجه “حزب الله” منذ نشأته بقرار إيراني – ­ سوري هذا الكم من التحديات السياسية وحتى الوجودية٬ ومكابرته في التعامل مع تلك التحديات لا تعني أنها غير موجودة٬ كما لا تخفف من وقعها عليه وثقلها٬ حيث بات مطوقا من جهات عّدة٬ على رغم اختلاف بعضها٬ والتي يمكن تعدادها كالآتي:

أولا: الثورة السورية٬ لم يتوقع “حزب الله” أن تطول الحرب السورية ويتحول تدخله في القتال إلى حرب استنزاف مفتوحة٬ فيما كان رهانه على إنهائها سريعا٬ وهذا الاستنزاف يشكل عامل ضغط كبير على الحزب من داخل بيئته على رغم محاولاته تطويق آثار التململ عبر تصوير أن خروجه من سوريا يضع هذه البيئة أمام مخاطر وجودية.

ولكن تداعيات قتاله في سوريا لا تنحصر بعامل الاستنزاف٬ إنما تتعدى ذلك إلى العداوة التاريخية التي أسس لها “حزب الله” بينه وبين الشعب السوري٬ حيث إن انغماسه في هذه الحرب ولّد حقدا قد يمتد إلى أجيال٬ ما يعني توريط طائفته في نزاع طويل يضعها في خانة غير المرحب بها في سوريا الجديدة.

ثانيا: العمق العربي والإسلامي٬ كل قوة “حزب الله” في الماضي كانت في عمقه العربي والإسلامي٬ باعتباره كان مقاومة إسلامية تحظى بالتأييد على هذا المستوى٬ ولكن قتاله السوري كسر الجرة بعدما كانت تفّسخت سابقا على أثر مقتل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري٬ وأحداث مايو (أيار) ٬2008 فتحول من مقاومة عربية ­ إسلامية إلى مرتهن لدى إيران يتخذ من ولاية الفقيه مرجعية له. وهذه الخسارة لا تعّوض لكونها أفقدته امتداده وعمقه والغطاء الذي يحظى به٬ فضلا عن إدخال أتباعه في وضع حرج جدا.

اقر ايضًا: لماذا لم تثر تصريحات نصرالله حول مصادر أموال حزبه … حفيظة الأميركيين؟

ثالثا: العقوبات الأميركية٬ فالحِّدية التي تعامل بها “حزب الله” مع العقوبات المالية من إطلاقه المواقف المحذرة والمهددة ضد القطاع المصرفي٬ إلى رسالة متفجرة (بلوم بنك) أوضح دليل على مدى فعالية هذه العقوبات وتأثيرها على بيئته٬ خصوصا أن المسار نفسه كانت اعتمدته الولايات المتحدة مع إيران٬ وفعل فعله برضوخ طهران للشروط الأميركية والدولية بالتخلي عن سلاحها النووي.

ويدرك الحزب أن هذا المسار الذي بدأ يستحيل وقفه٬ فضلا عن أنه يندرج في خانة إنهاء الدور الإقليمي لطهران من خلال القضاء على أذرعها في المنطقة٬ وبالتالي الضغط الدولي على الحزب لن ينتهي قبل أن يسلِّم سلاحه ويتخلى عن دوره الإقليمي.

رابعا: المحكمة الدولية٬ على رغم اعتقاد البعض أن المحكمة دخلت في رتابة معينة وفقدت تأثيرها وهالتها٬ فإن هذا الاعتقاد في غير محله٬ لأن هذا النوع من المحاكمات يستغرق وقتا طويلا بفعل المتابعة التفصيلية والإحاطة بالملف من كل جوانبه٬ والخروج بحكم نهائي لا تشوبه أي شائبة. وقد شكلت المحكمة٬ وما زالت٬ سيفا مصلتا على الحزب الذي يدرك أن صدور الحكم باتهامه باغتيال الراحل رفيق الحريري يضعه موضع ملاحقة دولية٬ ويصِّنفه إرهابيا من مربع دولي٬ بعد المربعين الأميركي والعربي والتمييز الأوروبي بين جناح عسكري إرهابي وجناح سياسي٬ الأمر الذي يفرض على الدولة في لبنان فك أي ارتباط معه في مجلس النواب والحكومة وحتى في المجالس البلدية٬ وإلا٬ فيصار إلى تصنيف الدولة اللبنانية بالإرهابية.

خامسا: إسرائيل٬ لا شك أن تل أبيب تنظر بارتياح إلى تورط «حزب الله» في سوريا٬ وما يتعرض له من استنزاف لجملة عوامل أهمها: الهدوء الذي تنعم به الجبهة الإسرائيلية مع الحزب الذي لا يستطيع أن يحارب على جبهتين بمعزل عن كل ما يحاول ترويجه خلاف ذلك. الخسائر التي يتكبدها في سوريا على يد خصومها. العزلة الدولية والعربية والإسلامية التي أفقدته عناصر قوته ومشروعيته.

سادسا: لبنان٬ يدرك “حزب الله” جيدا أن مشروعه ودوره وسلاحه لا يحظى بغطاء لبناني٬ بل معظم الشعب اللبناني ينظر بعين القلق إلى هذا الدور الذي يستجلب الحروب إلى لبنان ويحول دون الاستقرار المنشود٬ ولكن تخيير الحزب اللبنانيين بين التسليم بالأمر الواقع أو الفوضى يدفعهم إلى تجنب حرب أهلية جديدة تؤدي إلى تدمير البلد٬ وبالتالي يعِّولون على التطورات الخارجية لإنهاء الحرب وإرساء السلام الذي سيضع حدا لدور “حزب الله” وسلاحه. وتأسيسا على ما تقدم٬ ما خيارات “حزب الله” الذي بات مطوقا من كل الجهات؟ وهل يندفع إلى الأمام أم ينكفئ في سوريا ليتحّصن لبنانيا؟ وهل سيتمكن من فك عزلته أم أن حصاره سيشتد وصولا إلى خضوعه للقانون الدولي والدستور اللبناني؟

(الشرق الاوسط)

السابق
عائدات «داعش» من النفط تراجعت الى النصف وهذا السبب
التالي
هناك الإرهاب ومستغلّو الإرهاب