إيلي الحاج سيدخل الجنة بلا عذاب!

عمدت مسلمة يمنية تقطن في سويسرا إلى تأدية خطبة الجمعة أمام حشد كبير من المؤمنات والمؤمنين على وقع أنغام العود. الحدث ترك زلزالًا عميقًا لامس حدود اتهامها ومن معها بالخروج عن التعاليم والأعراف والقيم، بل ووصفهم جميعًا بالكفرة والمرتدين. فما كان منها إلا أن أجابت: كل ما فعلناه كان صلاة للرحمن وخشوعًا له. بعدها بأيام قليلة، قال أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إن الأوروبيين سيدخلون الجنة بلا عذاب، لأن الدعوة وصلتهم بطريقة مغلوطة ومنفّرة. طبعًا لا امكانية لتكفير الإمام الأكبر أو اتهامه بالردة، لكن ما تلقاه من ردود عنيفة توازي التكفير المبطن، بل وتتجاوزه بأشواط.

ليس الهدف استحضار العود وتعميم الاختلاط في صلاة الجمعة، وهو ليس محل نقاش فقهي بقدر ما يُشكل رسالة واضحة لضرورة الاندماج والتحديث والخروج من النظريات والأفكار المعلّبة، كما وأن كلام شيخ الأزهر ليس تعميمًا يطال كل متحرك ضمن فضاء شنغن، بقدر ما هو تعبير واضحٌ عن الدرك الذي وصلنا إليه جميعًا، وعن صورتنا البشعة التي اجتاحت أسقاع الأرض.

إقرأ أيضاً: إعلاميات من مدرسة «الجديد»: التطرف انتصر بانتصار ريفي!

الإضافة النوعية التي تركها كلام شيخ الأزهر تتمثل في شمولها لعموم الخائفين من وحش يقض مضاجع الأمم. إيلي الحاج كان واحدًا منهم، قال بعفويته ما يختلج قلبه من غضب واستياء، ربما يتوافق البعض معه أو يخالفه، لكن الحدث لا يكمن في كلام الرجل وطريقة تعبيره، بل في حالة عامة باتت تشعر بوافر الخوف والقلق والجزع.

ما ينطبق على إيلي الحاج ينطبق على أميركا التي ارتمت بقدها وقديدها في أحضان شعبوي يحرّض على الإسلام والمسلمين، وينطبق أيضًا على بريطانيا التي رفست كل مصالحها أمام الخطر الذي يهرول نحوها عبر البحار. كذلك هي الحال مع أوروبا التي دخلت برمتها عصر الخوف والارتباك والتشكيك، ثم راحت تجنح بعنف نحو أكثر الأفكار تشددًا وتطرفًا على الإطلاق.

إيلي ليس حالة نادرة، بل هو الجو السائد في عموم المنطقة والعالم، الناس باتت تخاف منا، وتطالبنا بتغييرات شاملة تتخطى منطق الصراع الفقهي حول مروحة واسعة من الأفكار الناظمة. لا يمكننا هنا أن ندفن رأسنا طويلًا في الرمال، ثم ننقض سريعًا على أي قتيل تسوّل له نفسه النيل من قاتله الذي يرتكز إلى دوره السامي في نشر الإسلام وتعاليمه. الحكاية شديدة التعقيد، ولا بد أن تبدأ حصرًا في بيتنا الداخلي، بحيث نجهد في إظهار وجهنا الحسن وتعاليمنا النبيلة، لا في الانفجار بوجه إيلي والتحريض عليه وعلى لقمة عيشه.

إقرأ أيضاً: إذاعة الشرق لـ«جنوبية»: لم نطرد الموظف ايلي الحاج

علينا أن نخرج جميعًا من منظومة التكفير والوكالات الحصرية، الله لم يخلقنا عبثًا، ولم يخلق عقولنا ليملأ بها الجماجم وحسب، رسالتنا أمام مأزق وجودي يستحق إعادة النظر في مجمل الروايات والأحاديث والتفاسير، لا مجال هنا للمكابرة أو الإصرار على منطق حديدي أو أفكار خشبية، لا بد من الانتقال السلس نحو مجاراة العالم وتهدئة روعه والعزوف عن الطعن العبثي والمتواصل في خاصرتنا وخاصرة الأمم.

الآن ستقوم الدنيا، سيجن جنون البشر، سيقولون ما لك وللدين، اترك الشرع لأهله وكبار قومه، هذه مواضيع غير مطروحة للنقاش أو الجدال. لا بأس، المهم أن إيلي وأمثاله سيدخلون الجنة بلا عذاب. أما نحن وأنتم، فرحمة الله وسعت كل شيء.

(بيروت اوبسرفر)

السابق
المستقبل: كلام نصر الله عن حماية المسيحيين تكذبه الوقائع
التالي
بالصور.. هذا ما وجده الجيش في بلدة القاع وما حقيقة القبض على مشتبه به!