بلديات الجنوب: سقوط الأحزاب.. وبروز المستقلين

علي الأمين
هناك تيار واسع أثبت حضوره في الإنتخابات البلدية هذا العام، هو المعترض على سياسة المصادرة، والمعارض لمنطق المبايعة وعدم المحاسبة للمجالس البلدية التي فشلت تحت مظلة الثنائية مجتمعة أو منفردة.

 الانتخابات البلدية في محافظتي الجنوب والنبطية تداخلت فيها عناصر عدّة، منها الطائفي والعائلي والمالي. فيما بدا العنوان التنموي حاضرًا بخجل شديد وبتفاوت بين البلدات. في الدائرة الشيعية لم نلحظ وجود عناوين إنمائية، لاسيما لدى حزب الله وحركة أمل. فالطرفان يتحكمان بمعظم المجالس البلدية منذ العام 1998 إمّا بشكل منفرد أو بالتحالف الشامل المستمر منذ العام 2010.

يشكّل العنوان السياسي العنصر الأوّل في لجم العملية الديمقراطية بمعركة المجالس البلدية. والدليل تحالف المال والسلطة والسلاح الذي يمثله ثنائي أمل – حزب الله. وهو الوسيلة الأشرس لمنع أيّ منافسة ديمقراطية تتيح الحدّ الأدنى من المساواة في فرص المرشحين، أو في تشكيل اللوائح، وصولاً حتى لمنع تحقق حيادية أجهزة الدولة التي طالما تكون تحت إدارة الطرفين في مناطق نفوذهما.

وتشهد معظم البلدات الجنوبية كيف تستمر عملية الضغوط بشكل متصاعد منذ فتح أبواب الترشيح وصولاً إلى عشية الإنتخابات البلدية، بوجه كل من يتصدى للترشح من خارج الثنائية الشيعية. تبدأ الضغوط من خلال توجيه رسالة معلنة بأنّ الوقوف في وجه تحالف الثنائية في البلديات هو إهانة لدماء الشهداء، ومؤامرة على الطائفة، ومحاولة اختراق “ولو من غير قصد” لبنية المقاومة وللحضور الشيعي المتنامي في لبنان والمنطقة.

هذا التهويل المستند إلى العصبية المذهبية وإلى نظام المصالح العام والخاص، يجعل أيّ طامح إلى المشاركة في العملية الإنمائية في بلدته، أمام معادلة كونية تفرض عليه من إيران إلى لبنان. ويجد نفسه إزاء خيار إمّا أن يكون مصطفًا خلف الثنائية أملاً ببعض الفوائد الشخصية التي تعرض عليه أو تفاديًا لضرر ، وإمّا أن يقف في وجه هذه المعادلة وتحمل تبعات هذا الموقف في التالي من الأيام، وفي أبسط حقوقه.

يعلم معظم الناخبين الجنوبيين أنّهم أمام هذه الحقيقة، ويدركون أنّ عدم التنافس بين الطرفين سببه الأوّل منطق المحاصصة الذي يتحكم بجوهر التحالف. والثاني العمل على منع بروز أيّ نموذج مستقل بلديًا على المستوى الإنمائي، يمكن أن يكشف الفشل الذريع الذي قدمّه هذا التحالف على مستوى البلديات.

الانتخابات البلدية

يجب ملاحظة أنّ العملية الإنتخابية، رغم سطوة حلف المال والسلطة والسلاح، أظهرت في الجنوب حيّزًا من التنافس، وكشفت عن ظاهرة المستقلين بعيدًا عن الصراعات الحزبية واستقطابها. إذ يمكن إيجاد مشترك بين كل المستقلين الذين لا يربطهم انتماء سياسي أو حزبي، وهو رفضهم لإسقاطات التحالف لوائحه من فوق، واعتراضهم على سياسة مصادرة عملية الإنتخاب بمقولة التوافق أو بعنوان التزكية. فإذا نظرنا إلى الأحزاب السياسية التي كان يمكن أن تلعب دورًا ديمقراطيًا، وتشكل رافعة للخيارات المستقلة عن معادلة الثنائية الشيعية، نلاحظ أنّ الحزب الشيوعي لم يخض المعركة الانتخابية بعنوان واضح. فهو انحاز لتحالف حركة أمل وحزب الله، في بعض البلدات. كفرصير على سبيل المثال حيث كان محازبوه مع لائحتها، أو من المنسحبين استجابة للثنائية، في الوقت الذي تقدم ستة مرشحين مستقلين أعلنوا بوضوح انحيازهم لخيار رفض التوافقات المنزلة من علٍّ.

إقرأ أيضًا: الناخبان السني والشيعي: مستاء من قيادتي، لكن أحتاج إليها

ليس خافيًا أنّ ثمة مناخًا يساريًا كان حاضرًا، وهو يمثل مروحة واسعة لا يمكن حصرها في حزب أو تيار. لكن كان هناك تيار أوسع أثبت حضوره في الانتخابات البلدية هذا العام، هو المعترض على سياسة المصادرة، والمعارض لمنطق المبايعة وعدم المحاسبة للمجالس البلدية التي فشلت تحت مظلّة الثنائية مجتمعة أو منفردة. السياسة هنا وظيفتها منع المحاسبة. لم يخرج رئيس مجلس بلدي ليقدم جردة حساب بما قام به مجلسه البلدي، بل لم يخطر في بال أيّ عضو مجلس بلدي أنّه مطالب بأن يقدم مثل هذه الجردة للناخبين. والسبب أنّ معيار نجاح الرئيس أو الأعضاء، هو في مدى الولاء للسلطة ومدى الطاعة الحزبية التي غالبًا ما تكون على حساب مصلحة النطاق البلدي.

إقرأ أيضًا: بلديات الجنوب منذ 2004: أكبر سرقة للأرض تحت ظلال «المقاومة» والثنائية

ظاهرة الإعتراض في الحيّز الشيعي في الجنوب والنبطية، برزت أيضًا في تململ واضح داخل البنى الحزبية نفسها سواء في حركة أمل او حزب الله. كما برزت ظاهرة عدم الثقة بين الطرفين. عبرت عن نفسها في عمليات تشطيب متبادل وغير مسبوق، وصلت إلى حدّ إعلان حزب الله انسحاب مرشحيه أمس في أكثر من بلدة ومن بينها حاريص في قضاء بنت جبيل.

المرشحون المستقلون هم الظاهرة التي يمكن البناء عليها، لا سيما أنّ الذين استمروا في ترشيحاتهم تعرضوا لعملية ضغوط من الترغيب إلى الترهيب. لكنّهم أصروا على الاستمرار في ترشحهم. ظاهرة لم تنجح محاولات حزبية من هنا وهناك للسطو عليها. ظاهرة تعرفها كل بلدة وكل قرية. خصوصًا أنّ معظم المستقلين هم من الذين يحظون باحترام وتقدير في بلداتهم ويشكلون كفاءات تحتاجها المجالس البلدية وترفضها الثنائية الشيعية.

السابق
باسيل من جزين: هذه أرض العماد عون
التالي
المشنوق: إجراءات مشددة ستتخذ بحق مطلقي الرصاص العشوائي