حقوق كامل مروّة

في الذكرى الخمسين لاغتياله، يستحقّ كامل مروة، افتراضاً، أن يظلّ قادراً على الجلوس وراء مكتبه. مثلما يستحقّ أن يظلّ قادراً على أن يكتب بقلمه – بقلمه تحديداً – مقالته لليوم التالي. من حقّ افتتاحيته أن ترى النور في توقيتها المعروف. لا شيء ينبغي له أن يحول دون ذلك. لا شيء البتّة. لا الرأي ولا الرأي المضادّ. لا تعقيدات السياسة المحلية والإقليمية، لا الأفكار، لا الآراء، لا المخابرات، لا الدسائس، لا العنف، لا الترهيب، ولا القتل خصوصاً. فالرجل حرٌّ في ما يكتب، وإن كان رأيه لا يرضي البعض.

اقرأ أيضاً: في خمسينية الصحافي كامل مروة 1966-1915

هذه هي حقوق كامل مروّة، وقد انتُزِعت منه انتزاعاً. بل انتُزِعت منّا جميعاً. بالقوّة الماحقة. وبالقتل العلني الاستعراضي. ما أبشع تلك القوة وذلك القتل! كلاهما، لا يزال ساري المفعول، باستشراء لا مثيل له. فيا للعار!
صحيحٌ أن كامل مروّة لم يكن الأول في قافلة الصحافيين الشهداء، لكن قتله سيظلّ وصمةً تقضّ مضاجع القتلة، وترجّف انتباه الوجدان. مثل هذا القتل يجب ألاّ يُخفى تحت نسيان، وألاّ يُمحى بمرور الزمن. فمن حقوق كامل مروّة علينا، أن نظلّ نعيّر القاتل بالقتل. وأن نسمّيه، ونشهّر به، ونذكّر الأجيال بجريمته الشنيعة، أياً يكن هذا القاتل، وأياً يكن القتيل الرمز، أكامل مروّة أم رياض طه أم سليم اللوزي أم سمير قصير أم جبران تويني، أم سوى هؤلاء، وهم كثرٌ وأعلام.

كامل مروة
لكن هذا التذكير بالحقوق لا يكفي. فمن حقوق الرجل علينا أن نكرّم المدرسة التي أنشأها بصفته معلّماً وصاحب طريقة و… جريدة. كيف؟ بسيطة: أن يُدرَّس منجزه الشخصي، ومنجز جريدته “الحياة”، وكلاهما موسومٌ بحبر عقله وقلمه، في كليات الإعلام اللبنانية والمعاهد. وأن، ثانياً، تضطلع وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة والالكترونية، بمسؤولية إلقاء الضوء المهني على هذين المنجزين.
هذه الحقوق المستعادة (إذا استعيدت!)، هل تعيد كامل مروّة إلى نفسه، وعائلته، ومكتبه، وقرّائه، و… حريته؟ الجواب: كلا. لكن هذه الحقوق (إذا استعيدت!)، من شأنها أن تمنح أبناء المهنة، وهم “شهداء أحياء”، بعضاً من كبرياء واعتزاز وعزاء. من شأنها أيضاً أن ترسّخ في حياتنا الوطنية المدنية، المهيضة الجناح، مفاهيم وقيماً ومعايير يجب أن تكون مقدّسة، بالمعنى الإيقونوغرافي للقداسة والتقديس.
قبل خمسين عاماً، مات كامل مروّة اغتيالاً. هو كان جالساً وراء مكتبه، ليكتب مقالته. هو لن يكتبها، لكننا نستطيع نحن أن نكتب، وأن نمنع مواصلة قتله و… قتلنا، إذا استعدنا حقوقه المهضومة.

(النهار)

السابق
كتب «أمي ماتت ومات معها كل شيء» فاشتعلت مواقع التواصل
التالي
محافظة ايرانية ترفض قتل ابنائها في سوريا… في ظل الخيانة الروسية!