على البساط الأحمر

يمدّ شبانٌ بساطاً احمر وسط الدمار في معرة النعمان، ليمر عليه جمهور يظهر شظف العيش والمعاناة على وجوه افراده وثيابهم قاصدا مشاهدة اعمال “مهرجان افلام الموبايل” الذي اقيم في المعرة وعلى مدرج بصرى الشام وفي بعض
الصالات خارج سوريا.

البساط الأحمر الضيق الذي لا نعلم من أين عثر عليه هؤلاء الناشطون، يختلف اختلافا بينّاً عن تلك التي يسير عليها النجوم والممثلون في قاعات المهرجات الكبرى الذين تحيط بهم حشود الصحافيين والمعجبين المتلهفين للحصول على التوقيعات أو الصور التذكارية. فالسائرون على البساط الأحمر هنا صف من الرجال والشبان الذين لا يبدو أنهم يمتلكون ترف الاعتناء بمظهرهم لكنهم يصرون على المجيئ لمشاهدة افلام قصيرة صورت بأبسط الوسائل تروي احداث ثورتهم وقهرهم ويومياتهم.

لعل في صدق وعمق نظرات السائرين على البساط الاحمر الضيق، النقيض التام لزيف الحفل الموسيقي الذي عزف فيه بعض من كبار العازفين الروس على مسرح تدمر الاثري بعد “تحريره” من أوغاد “داعش”. عازفون من بينهم صديق فلاديمير بوتين وشريكه في نهب الاموال العامة ونقلها الى الملاذات الضريبية. لكنه يملك من الوقاحة ما يكفي للعزف على اشلاء السوريين.

إقرأ أيضًا: أين «الخطة ب» لسوريا؟

يخاطب احياء “مهرجان افلام الموبايل” شيئا غائرا في وجدان من يتابع الثورة السورية منذ ايامها الأولى، خصوصا هذا الاحتفال بالمواطن المعذب الآتي للجلوس على كراس بلاستيكية شبه محطمة. تتراجع حتى تكاد تختفي اي كلمات تتناول المستوى الفني للافلام المعروضة، ليس فقط لأن المهرجان يعلن من اسمه (“أفلام الموبايل”) وجوده خارج كل التصنيفات الفنية وكل مدارس النقد التقليدية باعتماده على مصورين مغامرين يريدون نقل الحقيقة العارية عن ثورتهم والجرائم التي يتعرض لها شعبهم، بل أيضا لصدور هذا المهرجان من ذات المكان الذي صدرت منه تظاهرات درعا واعتصام الساعة والدفاع المدني وحسين الهرموش وحمزة الخطيب وغياث مطر والاف من الثوار الذين اعطوا للثورة السورية بعدها الانساني الفريد.

هنا، لا مكان “للفروع الامنية” ومسيراتها العفوية وتعفن الابرياء في اقبيتها ولا الطوائف ومخاوفها المشروع منها والمصطنع، ولا لمصالح الدول الكبرى وخرائطها وصمتها الإجرامي عن نكبة الشعب السوري، ولا للمقامات والمدافعين عنها ولا لفظاعات “اخوة المنهج” وامراضهم المعدية.

إقرأ أيضًا: روسيا في سوريا… باقية وتتمدد

هنا، بعض من نقاء لحظات الخروج طلبا للكرامة والحرية بمعنيهما البسيطين اللذين يعرفهما ذلك الرجل المسحول في حلب والرافض إدخال الوحوش الى بيته. بعض من نظافة الايمان بوجود حق وباطل في هذه الدنيا الخبيثة ووجوب الوقوف الى جانب الحق. وبعض من صدق المتظاهرين بين طلقات قناصة النظام وقذائفه وتحت طائراته.

لذلك كله ولغيره، لا يستطيع من يتابع هذه الفعاليات إلا أن يعي حقيقة هذه الثورة وجذريتها وقدرتها على تجديد نفسها والبقاء على الرغم من خمسة اعوام ونيف من كؤوس السم والغدر.

السابق
نوال بري: مريم البسام كسرتني!
التالي
هكذا علق شربل خليل على خلاف عادل كرم وزين العمر