الســـــنيورة محاضــــراً فـــي بوســــــطن: مسـؤولية العرب المعتدلين الحثّ على إصلاحات دينية في المنطقة

فؤاد السنيورة

اعتبر رئيس كتلة “المستقبل النيابية” الرئيس فؤاد السنيورة ان “المسؤولية الآن تقع على كاهل العرب المعتدلين في ما يخص الحثّ على القيام بالإصلاحات الدينية في المنطقة وفي تبنّي المبادرات الهامة. ومن هذه المبادرات على سبيل المثال: الإعلانات الأربعة للأزهر في مصر، وإعلان جمعية المقاصد في بيروت، لبنان: إعلان بيروت حول الحريات الدينية” وإعلان مراكش في المغرب: “حقوق الأقليات الدينية في المجتمعات ذات الأكثرية المسلمة”.

كلام الرئيس السنيورة ورد في محاضرة له في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية- في جامعة تافتس في بوسطن بعنوان: “الشرق الأوسط الناهض: المخاطر والفرص”.

وقال “التاريخ لم يكن عادلا مع العرب، فلا يزال الفلسطينيون يدفعون ثمن اخطاء الآخرين، اخطاء ارتكبتها اوروبا في خلال القرن الماضي، وساهمت هذه الأخطاء في خلق المأساة الفلسطينية. ازمة تعتبر مصدر معظم الشرور في المنطقة ومصدراً لمشاعر الذل والهزيمة كلها التي يعاني ويقاسي منها العرب.

اليوم، يتم إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الناهض كما يتم إعادة دمغ تاريخه بالدم والدمار والمعاناة. من اليمن إلى العراق وسوريا ووصولا الى ليبيا، دمّرت الحروب الأهلية المستشرسة الدول وشردت الأمم وبددت مستقبل الاجيال. وما يضيف إلى التعقيد في هذا اللغز الجيوسياسي، السلام المحفوف بالمخاطر في لبنان واستمرار الاحتلال في فلسطين. في الوقت ذاته، لا يزال الاستقرار بعيد المنال في مرحلة ما بعد الثورة في تونس ومصر حيث يواصل المسلحون المتطرفون تشكيل تهديد جدي على الأمن والتنمية والتطور على حد سواء”.

اضاف “هل هذه المنطقة ميؤوس منها حقا؟ وهل شعوبها محكوم عليها بالعيش إما تحت وطأة استبداد الحكام او الخضوع لعدمية الإرهاب والتطرف؟ وهل كان الربيع العربي مجرد سراب في وسط صحراء قاسية وفارغة؟ ممن يشكو العرب؟ ممن يشكو المسلمون؟ لماذا لا يمكنهم ان ينخرطوا بسهولة في ما اصبح اليوم حضارة عالمية للحرية، وللحقوق الفردية والمدنية وللانفتاح؟

فمن جهة، طوعا او كرها، قامت القوات الغربية بلعب دور رئيس في التسبب في الكثير من مآسي العرب. مآسٍ ادت إلى وضع البلاد العربية الراهن. بعدها، استقال هؤلاء اللاعبون الغربيون من دورهم الأخلاقي والسياسي وتنحوا حتى عن رغبتهم في المساعدة لإيجاد حلول لهذه المشاكل. بداية، بدأ هذا الوضع مع المشكلة الفلسطينية ولم ينتهِ بعد إذ إستمر دعم الغرب المباشر او غير المباشر للأنظمة العسكرية في المنطقة، هذه الأنظمة التي بدورها لطالما شجّعت ورعت واستغلت المتطرفين، مستعينة بهم لابتزاز الغرب. ولم تكتف بذلك، بل قامت هذه الأنظمة ايضا بابتزاز المعتدلين والأقليات في العالم العربي عبر استخدام المتطرفين للتهويل بهم. لذلك، يلقى اللوم وإلى حد كبير على الدور التاريخي الذي لعبه الغرب في قيام دولة إسرائيل، وفي قيامه بدعم الكثير من الأنظمة العسكرية في شكل مباشر او غير مباشر، مروراً بدعم المجاهدين في افغانستان وصولا إلى تغيير النظام في العراق”.

واذ اشار السنيورة الى ان “العرب يتحمّلون جزءاً كبيراً من المسؤولية، لا سيما بسبب الفشل المتراكم على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية كما في كيفية إدارة الشؤون العامة عموما”، شدد على اننا “بحاجة ماسة إلى إصلاحات دينية جدّية، خصوصاً في طريقة فهم الإسلام وممارسته وتدريسه من اجل التوصل إلى فهم افضل للروح الحقيقية للاسلام التي تدعو للشفقة والرحمة والتسامح والتعارف وفي النهاية إلى قبول الآخر في شكل افضل”.
واكد اننا “كعرب معتدلين ونمثل الغالبية الساحقة فإننا نريد افضل العلاقات مع ايران التي نشاركها الجغرافيا والتاريخ والثقافة والمصالح الاقتصادية والاجتماعية. فنحن نريد علاقات اخوية ودية مع ايران، تستند على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل”، لكنه لفت في الوقت نفسه الى ان “السماح لإيران ببسط نفوذ اكبر في شؤون العالم العربي من شأنه ان يُعقّد اكثر ويُعمّق المشاكل المعقدة في منطقتنا بدلا من ان يحلها”.

واشار الى ان “الحوادث الجارية في آسيا واوروبا والولايات المتحدة الأميركية وتزايد الإرهاب في جميع انحاء العالم، تظهر ان المارد الشرير خرج من قمقمه وان العالم كله اصبح في خطر. لا يمكن للولايات المتحدة ان تستريح ببساطة في المقعد الخلفي وتترك الأمر لروسيا وإيران لأخذ زمام المبادرة في المنطقة. ولا يمكن لأوروبا ان تختار ببساطة ان تشيح بنظرها عن جذور المشكلة، وان تستمر في الانغماس والجدال في شكل متواصل في قضية اللاجئين والهجرة وان تسعى لتفسير معنى الحدود، وهذه كلها مسائل هامة، لكن ليس في نفس اهمية العمل الجاد على إنهاء الحروب التي ولدت هذا التدفق من اللاجئين في شكل اساسي”.

وشدد على ان “هذه النقاط من مسؤولية الأطراف كلهم: الغرب والعرب والإيرانيون”، معتبراً ان “فكرة تشجيع سلام عادل ودائم في فلسطين جنبا إلى جنب مع تحقيق مبادرة السلام العربية التي اطلقت في بيروت عام 2002، فضلا عن دعم التحول السياسي وانتقال السلطة سلميا في سوريا، والتأكيد على وجود تمثيل افضل في العراق يحتضن كل المكونات العراقية، وفي حين يتم الحفاظ على وحدة كل بلد وشعبه، من الشروط الأساسية والضرورية للبدء في عملية القضاء على التطرف من جذوره”، ولافتاً الى ان “الوقت حان كي نستخلص الدروس المناسبة والحاسمة من التاريخ. فكما لا يمكن للأنظمة الاستبدادية ان تكون موازنة للتطرف، فإنه ايضا لا يستطيع نوع آخر من التطرف ان يُشكّل بوجوده في المقابل توازنا مستداما”.

وتابع “إن استيراد الميليشيات الشيعية من العراق ولبنان واليمن وافغانستان لمحاربة الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، ودعم الأسد يُشكّل وصفة لمزيد من الدمار والمزيد من التهجير والمزيد من التطرف لدى كل جانب. وكما اتضح من تجربة الصحوات في العراق التي وضعها بكل براعة الجنرال بتريوس في ذلك الوقت، فإنه لا يمكن هزيمة السنة المتطرفين إلا من خلال السنة المعتدلين. وهذا الأسلوب من المواجهة امر ينطبق على كيفية مواجهة جميع اشكال التطرف. لذلك يُشكّل دعم القوى الديموقراطية ودعم الاعتدال في المنطقة، بالإضافة إلى إيجاد الحلول الحقيقية للمشكلات البديهية والأساسية في المنطقة بدءاً من فلسطين، الطريق الأقل كلفة والأكثر فعالية لمحاربة التطرف العالمي بنجاح وفي شكل مستدام”.

واعتبر ان “لا يمكن لإيران ان تستمر في التصرف كدولة وثورة في آن. فليس من مصلحة الغرب تقبل التفكك المستمر لدول عدة في المنطقة نتيجة للتدخل الإيراني، ولا سيما ان الغرب يدفع الآن مباشرة ثمناً باهظاً لهذا التفكك. فمن مصلحة هذا الغرب الذي يعمل الآن على تحسين علاقته مع ايران، ان يجعل هذا الأمر واضحا للايرانيين. حيث يجب على إيران ان تدرك انه لا يمكنها أن تهيمن على العالم العربي كما يجب على العرب ان يدركوا انه سيكون من المستحيل عزل إيران”.

وتابع “لقد اصبح من الضروري جداً ان يباشر القادة العرب والمفكرين بوضع الأساس لدولة عربية مستقبلية: وهي الدولة المدنية التي تحترم وتعزز التنوع، وحيث تكون المجتمعات كلها متساوية في الحقوق والواجبات في ظل سيادة القانون. لقد حان الوقت ايضا للبدء بالتفكير في تطبيق اللامركزية في الدولة المركزية وإعطاء المجتمعات المحلية ومختلف مكونات المجتمع دوراً اكبر في التعامل مع شؤونها الداخلية، لكن مع التأكيد الدائم ان يتم ذلك ضمن قواعد الدولة المتكاملة ذات السيادة الموحدة. كما ان موضوع الاصلاح الديني يجب ان يعطى الأولوية القصوى وبالأخص انه يجري تشويه الإسلام وانتزاعه من حقيقته ونبل مقاصده على مستوى غير مسبوق. لذلك فإنه يجب إعداد برامج جديدة لإصلاح التعليم الديني الذي نعلمه لشبابنا واجيالنا الصاعدة، وكذلك ايضا التعليم الديني الذي نعلمه لرجال الدين الذين يجب أن يكونوا في الأساس روادا في الدعوة إلى الانفتاح والتسامح والاعتدال واحترام حقوق الإنسان، وتشجيع التفكير النقدي. كل هذه المواضيع تشكل تحديا كبيرا يحتاج إلى المعالجة الجدية ولاسيما بعد عقود من خضوع المؤسسات الدينية لغير المؤسسات العسكرية والأنظمة الأمنية”.

وختم السنيورة “الشرق الأوسط الناهض امر واقع، إنما الأمر بأيدينا كلنا لتحديد ما إذا كان سيكون مصدراً لتصدير التطرف او ما إذا كان منبعا سيولد النمو والازدهار. الأمر بأيدينا لتحديد ما إذا كان سيصنف كمنطقة مخاطر او منطقة تضج بالفرص. قد يختار الغرب في شكل عام والولايات المتحدة بوجه خاص، ان يديروا ظهرهم لنا ويحدوا من تدخلهم الإيجابي في منطقتنا. لكن سيكون من الصعب جداً عليهم قطع الاتصال معنا ونحن جميعا في عالم يتواصل ويعتمد على بعضه. ان المخاطر لواضحة ويجب العمل جميعا من اجل تداركها وتجنبها، من باريس إلى بروكسل، وصولا إلى مختلف المدن الأميركية. لكن في المقابل، فإن الاستثمار في مستقبل منطقتنا هو ايضا استثمار مباشر في مستقبلكم”.

 

السابق
جمعية قل لا للعنف تسنكر الحملة المغرضة على الصحافية كارول معلوف
التالي
منافسة «أكبر صدر» مستمرة…برعاية مجلة نادين!!‎