مصر وحماس: حوار أمني بلا آفاق سياسية جدية

عقدت الأحد آخر جولة من جولات الحوار بين حماس والسلطات المصرية من أجل استكمال بحث النقاط محل الاهتمام من الطرفين. وكان الحوار استؤنف على نحو مفاجئ منتصف آذار/ مارس الجارى بعد فترة طويلة من القطيعة بين الحانبين، وعلى بعد أيام فقط من الاتهام الرسمي المصري للحركة بالتورط في اغتيال النائب العام السابق هشام بركات.

اقرأ أيضاً: دمشق تستدعي واشنطن ؟!

يمكن قراءة الحوار واستشراف آفاقه أو ما سيتمخّض عنه بقراءة أو فحص المستجدات الأخيرة في السياق الفلسطيني – الفلسطيني أو في السياق الفلسطيني – المصري. ومع ذلك يمكن تقديم إشارات أو استنتاجات أولية عبر قراءة التطورات الأخيرة في مصر المحروسة، وطريقة تعاطي النظام معها، كما مع المستجدات في الإقليم برمته.

لا أعتقد أن النظام الذي حوّل البلد إلى دولة بوليسية وحتى فاشية، ويتعاطى بهذا القدر من العنف والإقصاء مع خصومه النظام الذي نسج الرواية الرديئة والهابطة والتي لم يصدقها أحد حول ملابسات مقتل الناشط الإيطالي ريجيني. النظام الذي فشل في مواجهة إرهاب داعش رغم انتهاكه المنهجي والفظّ الدامي المنهجي لحقوق الإنسان في سيناء النظام الذي تماهى مع الحلف الأقلوي المذهبي الإقليمي والدولي وحشده الشعبي في مواجهة الكتلة الأكثرية العربية الإسلامية التي كانت القاهرة دوماً في صلبها وقلبها. النظام الذي اتخذ الموقف المشين والمتواطئ من توصيف حزب الله بالإرهاب ومدّ الخيوط معه سرا وعلانية، رغم انخراطه في الحروب والجرائم المذهبية في طول وعرض المنطقة، هذا النظام لا يمكن بالتاكيد التعويل عليه فلسطينياً، ولا يمكن توقّع أن يقوم بأي خطوات إيجابية إن في ما يتعلق برفع الحصار أو المصالحة وإنهاء الانقسام أو حتى الوساطة غير المباشرة للتهدئة مع إسرائيل، وببساطة وباختصار: فاقد الشيء لا يعطيه.

ومع ذلك، وإذا ما اجتهدنا لقراءة الحوار ومحاولة تلمّس النتائج أو ما سيخرج عنه فقط من خلال قراءة التطورات في السياق المصري – الفلسطيني، وبمعزل عن التطورات المصرية الداخلية أو حتى المستجدات في الإقليم، فيجب الانتباه إلى أن الدعوة المصرية المفاجئة لحركة حماس لزيارة القاهرة جاءت بعد أيام فقط على الاتهام الرسمي للحركة بالمشاركة الجدية والعملية في اغتيال النائب العام السابق هشام بركات، غير أن هذا الاتهام على خطورته لم يلغ الزيارة، في ما بدا إقرارا شبه رسمي ومباشرا من القاهرة بأنه مفبرك أو على الأقل فإن دوائر مصرية رسمية لا تتعاطى معه بجدية، رغم أنها قد تستخدمه لابتزاز الحركة وانتزاع مزيد من التنازلات منها، خاصة في السياق الأمني.

في رأيي فإن ثمة ثلاثة أسباب رئيسة لإعادة القاهرة اتصالاتها مع حماس، الأول، الفشل الأمني في مواجهة داعش في سيناء، رغم الاستخدام الفظّ والمنهجي للقوة، وحتى سياسة الأرض المحروقة أو المغروقة في سيناء، ثم حوارات المصالحة التي جرت بين فتح وحماس في الدوحة منتصف فبراير الماضي، وأخيراً تواتر الحديث عن تفاهم أو اتفاق لتطبيع بين تركيا وإسرائيل يرفع الحصار ولو جزئياً عن غزة ويتيح لأنقرة الإشراف على ورشة إعادة الإعمار وإصلاح أو إعادة تأهيل لبنى التحتية المنهارة في غزة.

السبب الأول في رأيي هو الجوهري وراء الانفتاح المصري المفاجئ على الحركة. فبعد ثلاث سنوات من الانقلاب وأربع سنوات من الحرب مع تنظيم بيت المقدس ولاية سيناء لتنظيم داعش، بدا أن التنظيم يزداد قوة وشراسة أو على الأقل ليس في طور التراجع والانهيار، وأعتقد أن القاهرة فكرت ليس فقط في الحصول على معلومات أو خبرات أمنية من حماس، بعدما بدا أنها تخوض الحرب عمياء أو شبه عمياء بعد غياب لسنوات، بل لعقود عن سيناء، وإنما طمعت في معونة أو مساهمة فعلية من الحركة في الحرب ضد داعش، وهو الأمر الذي لا تبدو الحركة بوارد الاستجابة له، رغم انفتاحها على الجزء الأول أي التعاون الأمني في السياق المعلوماتي أو في ما يتعلق بضبط الحدود المشتركة بين غزة وسيناء، ومنع أي استخدام أو تأثير سلبي من قبل بعض الجماعات السلفية الغزاوية المتعاطفة مع داعش نهجاً وممارسة.

مصر غاضبة من حماس

هذا الأمر تبدّى أيضاً في الأجندة التي طرحتها القاهرة للحوار، والتي تضمنت ثلاثة بنود أو مراحل مع مدخل أمني واضح يتمثل بضبط الحدود والتعاون المعلوماتى بين حماس والسلطات المصرية في ما يتعلق بالحرب ضد داعش، ثم تسهيلات اقتصادية تتعلق بفتح المعبر وإدخال مزيد من المواد لإعادة الإعمار، اما البند البند الثالث فيتمثّل بالبعد أو الجانب السياسي المباشر إن فيما يتعلق باسئناف جهود الوساطة لإنهاء الانقسام بين حركتي فتح وحماس أو الوساطة غير المباشرة مع إسرائيل في ما يتعلق باستحقاقات التهدئة وفق التفاهمات التي رعتها القاهرة في آب/أغسطس من العام قبل الماضي، والتي تم إيقاف الحرب الأخيرة على أساسها.

أعتقد وقياسا إلى الذهنية التي يتعاطى بها النظام المصري، المتخبط من فشل إلى فشل، والعاجز عن تحقيق أي إنجاز جدّي سياسي اقتصادي اجتماعي أو أمني، إنه لن يطبق من التفاهمات إلا البند الأول الأمني المتعلق بالتعاون في معركته ضد داعش، وهو بحاجة إلى حماس التي بدت وللمفارقة تعرف المنطقة، وتضاريسها الجغرافية والأمنية أفضل منه، ومقابل ذلك سيكون ربما بعض التسهيلات الاقتصادية في ما يخص فتح المعبر أو إدخال بعض مواد البناء ومستلزمات إعادة الإعمار، ولكن حتما لن يكون انتقال جدّي للبند أو البعد السياسي لأن النظام ليس بوارد بذل أي جهد فعلي لوساطة نزيهة مباشرة بين فتح وحماس تستند إلى التنفيذ الأمين والعادل لوثائق وتفاهمات المصالحة بما فيها الورقة الأساس أي اتفاق القاهرة الموقع في أيار/ مايو 2011 التفهمات، أو لوساطة غير مباشرة ونزيهة أيضاً بين الحركة وإسرائيل، لتنفيذ استحقاقات التهدئة وفق الورقة التي رعتها القاهرة أيضا في آب/ أغسطس 2011. ولا يمكن التوصل إلى نتيجة ملموسة في المسارين –المصالحة والتهدئة- دون أن ينعكس ذلك إيجاباً على وضع وصورة حماس في غزة وأمام الشارع الفلسطيني بشكل عام، وهو ما لا يريده النظام بالتأكيد كونه ما زال أسيراً لفكرة استئصال وإقصاء تيار الإسلام السياسي من المشهد السياسي في مصر والمنطقة بشكل عام، وهو ما يمثل في الحقيقة القاعدة لسياساته أو بالأحرى مشاغباته وتشويشاته في المنطقة من ليبيا إلى العراق ومن سورية إلى اليمن حيث بناء التحالفات والصداقات وفق العداء والحرب مع الإخوان المسلمين، الحرب العبثية غيرالواقعية والخاسرة في كل الأحوال.

(عربي21)

السابق
وئام وهاب والـ«بلوك»: هل أخطأت رشا الخطيب؟
التالي
السفير السعودي في لبنان: لم نرَ إجماعاً حول فرنجية