«حروب» حزب الله على أرض «الآخرين»

لعل اكثر شعار لخص معنى الحرب اللبنانية الممتدة من العام 1975 حتى العام 1990 كان شعار الصحافي والنائب والوزير السابق الراحل غسان تويني «حروب الآخرين على أرض لبنان»، الذي طالما استخدمه في افتتاحياته في الزميلة «النهار». ورغم ان هذا الشعار أثار جدلاً واسعاً في الوسط السياسي اللبناني بين مؤيد وبين متحفّظ على استثناء القوى السياسية المحلية من مسؤولية الحرب، إلا انه اكتسب مصداقية انطلاقاً من التأثير الكبير الذي كان للخارج في الحرب اللبنانية، رغم وجود عوامل داخلية كثيرة.

لكن مع «حزب الله» الذي تحوّل في السنوات الاخيرة الى «قوة اقليمية»، تغير هذا الشعار ليصبح مقلوباً، حيث صار في الإمكان الحديث عن شعار آخر عنوانه حروب «حزب الله» على أرض الآخرين»، اي خوض الحزب حروباً داخل الدول العربية، كما هو الحال في سوريا واليمن والعراق والبحرين والكويت، حيث تتفاوت الأدوار بين العسكري والامني والسياسي.

واذا كان من الصعب تأكيد هذا المعطى في مراحل سابقة، فإن عاملين حسما هذا المعطى هما: تأكيد «حزب الله» نفسه على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله انخراطه في هذه الحروب، من جهة، والاجراءات التي اتخذها مجلس التعاون الخليجي ضد «حزب الله» من جهة ثانية، والتي جاءت بناءً على معطيات موثقة في غالب الاحيان لم ينفها «حزب الله».

وهذا يعني ان «حزب الله» رسم، بعد القرار 1701 الذي اتخذه مجلس الامن العام 2006 بشأن جنوب لبنان، «خطوط تماس» جديدة في المنطقة، بدأت لبنانية في العام 2008 لتصبح عربية بعد ثورات «الربيع العربي».

ففي 7 ايار 2008، اي بعد عامين فقط من حرب تموز التي افضت الى القرار 1701، نقل الحزب خط تماسه مع اسرائيل الى الداخل اللبناني ونفذ عملية عسكرية في بيروت والجبل كانت نتيجتها شرخاً وطنياً عميقاً ما زالت آثاره ماثلة حتى اليوم. وبعد ثورات «الربيع العربي» رسم خطوط تماس اخرى داخل اكثر من دولة عربية، مؤججاً حروباً اهلية، مع ما رافق ذلك من حالات شرخ وطنية داخل كل بلد عربي يصعب تبديدها حتى بعد انتهاء هذه الحروب.

اقرأ أيضًا: هكذا يحاول حزب الله كتم أصوات معارضيه

وبذلك شوّه «حزب الله» حقيقة تاريخية تمثلت بإنجاز السيادة اللبنانية من خلال انتهاك سيادة الآخرين. فبعد ان عانى لبنان على مدى عقود انتهاك سيادته من جانب دول عدوة وصديقة، تمكن ان يسترجع سيادته من الاحتلال الاسرائيلي اولاً، العام 2000، وبسواعد مقاومي «حزب الله« نفسه، وبالتالي من الوصاية السورية العام 2005 بسواعد شرائح كبيرة من اللبنانيين خاضت حركة مدنية سلمية ضد هذه الوصاية ونجحت في نزع كابوسها عن لبنان.

اما اليوم، وبدلاً من تحصين هذه السيادة اللبنانية وتوفير مقومات صمودها وصمود اللبنانيين في وجه عواصف المنطقة، ذهب «حزب الله» الى انتهاك سيادة الآخرين، اي سيادة دول اخرى عربية، مشاركاً او محرضاً في حروبها، وساعياً الى تعديل موازينها الداخلية او ترجيح كفة فريق على آخر. وهو بذلك تجاهل الواقع اللبناني الحساس وانتماءه العربي، وكذلك الديمغرافيا اللبنانية التي ينتشر جزء غير قليل منها في هذه الدول العربية، علاوة على الاحتضان التاريخي المعروف من هذه الدول للبنان ولسلمه الاهلي ولاقتصاده.

ان قراءة تاريخ لبنان تكفي لتبيان ان اضطراباته المتعاقبة العسكرية والسياسية انما جاءت بعد انحياز اي من اطرافه لهذا المحور او ذاك، بحيث كان كلما تعاطف طرف لبناني مع محور اقليمي او دولي انفجر الوضع في لبنان، الذي كان سمُّي «سويسرا الشرق» ليس بسبب مناخه او ازدهاره او سياحته وحسب، وانما بسبب كونه اكثر بلد عربي قرباً من مبدأ «الحياد» السويسري (قبل الحرب).

اما اليوم، ومع انحياز «حزب الله» لمحاور اقليمية، لا بل ترجمة هذا الانحياز بالانخراط في «حروب الآخرين» وعلى ارضهم، بخلاف زمن «حروب الآخرين على ارض لبنان»، فإن ثمة ضرباً لجوهر الفكرة اللبنانية والصيغة ولتقاليد لم يعرف اللبنانيون عكسها إلا مع «حزب الله».

رحم الله غسان تويني. رحل ورحل شعاره معه.

(المستقبل)

السابق
موغيريني تفتح أسبوع الزيارات الديبلوماسية
التالي
لمن قال بري: لا تجرّبوني.. ولا تمزحوا معي؟