قوة عظمى لفرد

المضمون: بوتين دفع الدماء والاموال في الحرب السورية، لكنه حقق هدفه وهو القدرة على تحديد مصير سوريا.

من المشكوك فيه أن أحدا منا يريد العيش في روسيا القيصرية في هذه الايام. ومع ذلك من الصعب عدم الغيرة قليلا من الظاهرة التي اندثرت تقريبا من العالم الغربي الليبرالي: قيادة مصممة تعرف كيف تقرر وتنفذ. صحيح أنه حاكم فرد بدون معارضة ولا أحد يهدد كرسيه وهو سيستمر في الحكم طالما أراد ذلك – لكني أعرف على الأقل شخص آخر يشبهه، ليس له أي صفة من صفات القيادة التي لدى فلادمير بوتين.

إقرأ أيضًا:محور بوتين في الشرق الأوسط روسيا لا تذهب إلى أي مكان

لقد دخل الى سوريا دون أن يتوقع أحد ذلك. أوقف عملية انهيار نظام الاسد وفاجأ من جديد هذا الاسبوع عندما أعلن أن المهمة قد تحققت وأنه بدأ بسحب قواته. هذا الامر لم يستطع جورج بوش أن يفعله في 2003 في العراق، وما لم تفهمه اسرائيل في 1982 بعد أن طردت م.ت.ف من لبنان – بوتين فهم الامر. إن استمرار وجوده في المنطقة سيغرق جيشه في حرب استنزاف لن يستطيع الخروج منها منتصرا.

التدخل العسكري الروسي في سوريا لم يكن بشكل واسع. لقد وصلوا في ايلول مع 50 طائرة قتالية وعدد من السفن وقوة برية تبلغ 4 آلاف جندي تهدف الى الدفاع عن مواقعهم العسكرية. لقد وعد بوتين الاسد في حينه أنه سيعيد له سوريا خلال ثلاثة اشهر، لكنه لم ينوي بالفعل اعادة احتلال هذه الدولة الضخمة بمساعدة خمسين طائرة.

القوات الروسية بدأت بتعزيز خطوط الدفاع المستقرة لمدن الشاطيء، اللاذقية وطرطوس. فهناك توجد المواقع الجوية والبحرية الروسية. الطائرات الروسية خرجت لقصف المتمردين من اجل تمكين الاسد المدعوم من قوات حزب الله، من ازالة تهديد المتمردين عن دمشق.

آلاف الضربات الروسية على مدى خمسة اشهر ساعدت الاسد في ثلاث قضايا اساسية: الذهاب شمالا باتجاه حلب التي فرغت تقريبا من سكانها بسبب القصف الكثيف، التوجه شرقا نحو تدمر التي يسيطر عليها داعش، والنزول جنوبا الى حوران حتى يتم احتلال اجزاء من درعا.

في نهاية 22 اسبوع من التدخل العسكري الروسي فان الاسد يسيطر على الخط الصاعد من درعا في الجنوب حتى دمشق ومن دمشق حتى حلب. وقد مكّنه بوتين من تعزيز السيطرة على خُمس ما كان يسمى سوريا، لكن هذا الخُمس يشمل جميع الممتلكات الهامة للدولة: مطار دمشق وموانيء اللاذقية وطرطوس.

وفي نفس الوقت قدمت روسيا مساعدة جوية مهمة للاكراد الذي عززوا سيطرتهم في القطاع على طول الحدود التركية وبدأوا في ابعاد داعش باتجاه الجنوب. داعش يتراجع منذ بضعة اشهر. وفي حين أن قوات بوتين تنسحب من سوريا فان الاكراد يهددون الرقة، عاصمة داعش.

هل تراجع داعش سيستمر بدون روسيا ايضا؟ هل سيستمر الاكراد في الانتصار أم أن الاتراك سيستغلون خروج روسيا من اجل ضربهم؟ هل سيعرف الاسد كيف يحافظ على الانجازات الجغرافية؟ كل هذه الاسئلة لا يمكن الاجابة عنها اليوم بيقين، لكن بوتين أوضح أنه ترك قدم واحدة على الارض في حال اراد العودة والتدخل في الحرب.

لقد جاء منذ البداية لمنع سقوط الاسد وكي يثبت أنه مهتم بحلفائه. لكن بوتين لا ينوي الانتحار من اجل الاسد. لقد دفع ثمنا كبيرا بسبب الحرب في سوريا، من دماء جنوده وتكلفة اقتصادية كبيرة وأضر بمكانة روسيا في العالم السني. صحيح أن بوتين هو حليف ايران والاسد، لكنه لا ينوي قطع صلاته مع السعودية ومصر. ولم ينس هذا الاسبوع المشاركة في تعزية الاتراك بسبب العملية في أنقرة والاشارة الى أنه على استعداد لانهاء الصدام مع اردوغان.

على المستوى التكتيكي، وضع على المهداف عدة آلاف من الروس الشيشان الذين انضموا لداعش. خشي بوتين من أنه اذا لم يقتلهم على الاراضي السورية فانه سيلتقي بهم في العمليات في موسكو. أكثر من أكثر ألف منهم قتلوا بالقصف الروسي.

لكن الاهم من ذلك هو أنه أراد أن يحجز مقعده في رأس الطاولة التي ستحدد مستقبل سوريا. وقد حقق ذلك. لن يكون أي حل في سوريا بدون روسيا. وأكثر من ذلك: يستطيع بوتين أن يُضمن في أي حل مستقبلي في سوريا مسألة الاعتراف باحتلالاته في اوكرانيا.

سيحاول بوتين في البداية التوصل الى اتفاق يعيد سلامة سوريا الجغرافية. وهو لا يلتزم باستمرار سيطرة نظام الاسد في سوريا. لن تكون له مشكلة في اخراج الاسد الى المنفى واستبداله بشخصية اخرى متفق عليها من خلال اتفاق يبقي نظام البعث. ومن المشكوك فيه التوصل الى اتفاق كهذا في هذه الاثناء.

من الاسهل تخيل اتفاق تكون فيه سوريا مقسمة الى كانتونات عرقية: علوية، كردية، درزية وسنية. حيث يعود داعش الى العراق أو ليبيا. والحقيقة المفاجئة هي أن وقف اطلاق النار الذي أعلن قبل ثلاثة اسابيع ما زال ساري المفعول في اغلبية الاماكن. الامر الذي يشير الى حالة الاستنزاف لدى الاطراف المتحاربة وقد يؤدي ذلك الى قبول الاتفاق.

بالنسبة لاسرائيل، حقيقة أن الطائرات الحربية الروسية تترك المنطقة ومعها صواريخ اس.400 هي أنباء جيدة. ايران التي بقي فقط 700 من رجالها في سوريا لا تبدو بأنها تريد ادخال القوة والاموال الآن وحزب الله ايضا، حيث يوجد 7 آلاف من مقاتليه في سوريا الى جانب الاسد.

الاسد لا يستطيع اليوم اعادة احتلال الحدود مع اسرائيل، الامر الذي يتركنا مع جبهة النصرة وشهداء اليرموك في الجولان. هاتان المنظمتان معاديتان لنا، لكنهما الآن لا تريدان المواجهة مع اسرائيل.

لقد استبدل الجيش الاسرائيلي القرص فيما يتعلق بسوريا. الخطط العملياتية التقليدية للمناورة تم استبدالها بخطط مناورة سريعة وسهلة. وفي حال اضطر الجيش الاسرائيلي الى علاج أي مشكلة في سوريا فان عقبة الجيش السوري في هضبة الجولان لم تعد قائمة. لا توجد أي مشكلة في أن نرسل الآن كتيبة الى العمق السوري من خلال السيارات وارجاعها بعد بضعة ايام.

إقرأ أيضًا: سوريا بلا روسيا تُسقط.. «أساطير الممانعة»

يبدو أن سوريا هي ساحة الاحتكاك الاساسية في الحرب بين الشيعة والسنة. الدرس الذي تم تعلمه من سنوات الحرب الخمسة هو أنه لا يوجد أي نظام محصن في منطقتنا. كل من يؤيد في اوساطنا مقولة “ما لم ينجح بالقوة، ينجح بمزيد من القوة”، ثبت له أن سوريا هي البرهان حيث أن قتل 400 ألف شخص لم يوقف شعب قرر

السابق
فورين بوليسي: هذا أكثر ما أغضب السعوديين من أوباما
التالي
شيرين عبادي: هل حلّت طهران مشاكلها بالإيقاع بزوجي؟