صورة «حزب الله» الحقيقية!

كل ما فعله «حزب الله» في لبنان منذ انضوائه تحت عباءة ولاية الفقيه هو فعل قوة واستقواء على الشركاء في البلد، ولا علاقة له بمفهوم الشرعية أو الصدقية. بل إن كل التفاهمات معه منذ الطائف حصلت كمحصّلة لفائض قوته العسكرية مقابل الدولة والقوى التي تشكّل المجتمع اللبناني. وما فعله هو إصراره على اللعب بالقوة لا بالسياسة، واستغلال الدولة لا الانضواء تحت سلطة قانونها. فسلاحه موجه بالأساس نحو رأس دولة المؤسسات لأنه يشكّل نقيضاً لمفهوم الدولة قولاً وفعلاً، أيديولوجياً وممارسة على الأرض. أما وجوده في البرلمان فهو للتستّر على ما ذهبنا إليه وللظهور بمظهر اللاعب الشرعي في البرلمان وفي السياسة، وهذا علماً بأنه مستعدّ، كما فعل دائماً، لإطلاق النار على رأس السياسة واستبدالها بالعنف تحت تسميات مختلفة. فهو هكذا فعل كلما لاحت بوادر اقتدار السياسة على العنف والدولة على الميليشيا والسيادة الوطنية على الولاء لمرجعيات لا وطنية مثل ولاية الفقيه أو طاغية الشام.

 

صحيح أن «مقاومة» إسرائيل في الجنوب اللبناني غطّت لردح من الزمن على ما يعرفه اللبنانيون بصغارهم وكبارهم. وصحيح أن الاحتلال السوري للعاصمة نحو ثلاثين عاماً أعطى مزيداً من القوة لـ «حزب الله» كمقاول أساسي مرة وثانوي لمشاريع إقليمية. لكن «قبول» اللبنانيين بهذا الواقع لم يكن من شرعية دور «حزب الله» ولا بتفويض من الدولة، بل لأن الحزب كان ولا يزال أقوى من الدولة وأقوى من كل الفرقاء الشركاء مجتمعين ومتفرّقين من الناحية العسكرية ـ ليس إلا!

اقرأ أيضًا: التخوين والتكفير عقوبة من يخرج عن الولاء

لقد حاصر «حزب الله» الدولة بالقوة العسكرية وهددها بما لديه من قُدرة على مصادرتها تماماً وعلى كنسها تحت خبط ألويته، وأغدق بالدولارات الخضراء على عناصره وعوائله. بل بدا قادراً على الاستحواذ على مناطق هُجّر منها من هُجّر من السكان غير الموالين له. هذا ما يعرفه اللبنانيون وغيرهم. وهذا ما ينبغي أن نقوله لـ «حزب الله» والمنافحين عن عُنفه والمتمسكين بصورته منقذاً ومخلّصاً ـ ولا أعرف ممَا!

 

إن دخول قوات «حزب الله» الحرب ضد الشعب السوري إلى جانب طاغية الشام ضعضع الى حد ما صورته وتمثيلاته. كما أن خطابات السيد المبتسم لم تعد تسحر إلا عند مستبطني القهر التواقين إلى «بطل» ولو لفظياً. ومع هذا لا يزال الحزب قوياً بما فيه الكفاية ليفرض حالة من الصمت على جرائمه في سورية والتستّر على قبضته المشدودة حول عنق بيروت وأهلها ولبنان وتاريخه ومستقبله. ومن هذه الجرائم اللعب بمصير لبنان ووضعه بكامله شعباً ونظاماً ودولة وإنساناً رهن الوضع في سورية، يناور به بما يليق بمتجبّر في بورصة تثبيت الطاغية أو فرض شروط لرحيله!

 

هذه هي صورة «حزب الله» كما مارسها وجسّدها هو بنفسه. وحين يموت الحياء ـ تقول النظرية الاجتماعية ـ تموت السياسة أيضاً. أما عجز اللبنانيين حتى الآن عن قول ذلك أو تغييره فلا يغيّر من هذه الحقيقة في شيء ـ «حزب الله» قوة لا وطنية في لبنان تبتزّ الوطن وأهله يومياً في سبيل مشاريع خارجية.

 

لا بدّ أن يتأثّر الحزب ضعفاً أو قوة بما ستؤول إليه الأوضاع في سورية. ونرجح أن يلجأ إلى القوة في الحالات المحتملة على اختلافها. فضياع سورية كمنقطة نفوذ وانقضاض إيرانية يعني اتساع مهمات الحزب وتعاظم مكانته بالنسبة الى إيران. وإذا استتب الأمر فيها لمصلحة روسيا ونظام الطاغية وإيران يرجّح أن يركّز الحزب على تنفيذ كامل مشاريعه في لبنان إلى حدّ مصادرته. إنها في نهاية الأمر ليست لعبة المحاور الإقليمية فحسب، بل هي أيضاً ديمغرافيا التمدّد السكاني وصولاً إلى الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط .

(الحياة)

السابق
أي «مساعدة» إيرانية يصعب صرفها
التالي
كلينتون وترامب يحصدان الولايات بالجملة في انتخابات «الثلثاء الكبير»