الحوارُ المر.. أنجعُ من الحروب

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” في 19 يناير الجاري، مقالا بعنوان “هل ستتغير إيران؟”، كتبه وزير الخارجية عادل الجبير. وهو عبر عنوانه تتضح حال “عدم الثقة” التي تحكم العلاقة بين الرياض وطهران، ومدى الريبة التي تشعر به الأولى تجاه جارتها، وهو ما أثر بشكل مباشر في العلاقة بين البلدين، وأدى في نهاية المطاف إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، إثر الهجوم على السفارة السعودية في طهران، والقنصلية في مشهد.

اقرأ أيضاً: المفاوضات السورية تحت سقف العرقلة الروسية

الجبير في مقاله رغم ما وجهه من نقد واضح وصريح تجاه السياسة الإيرانية، إلا أنه لم يغلق باب الدبلوماسية بشكل كامل، وأبقاه مواربا، حينما قال “نريد إيران أن تعمل على معالجة المشكلات بما يمكّن الشعوب من العيش بسلام”. معتبرا أن “تحقيق ذلك يتطلب حدوث تغييرات كبيرة في سياسة إيران ونهجها، وهو أمر ما زلنا في انتظار حدوثه”.

بعد يوم واحد من مقال الوزير الجبير، دان المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله خامنئي، الهجوم على السفارة السعودية، واصفا العمل بأنه كان “سيئا بالفعل”، معتبرا أنه “ضد البلاد والإسلام”.

وهي التصريحات التي تأتي من قمة الهرم السياسي في إيران، وبعيْد توقيف نحو 140 شخصا في إطار التحقيقات حول الهجوم، الذي دعا الرئيس حسن روحاني إلى الإسراع في محاكمة المتورطين فيه.

دولٌ عدة من جهتها أبدت استعدادها للوساطة بين الرياض وطهران، منها الصين وباكستان وروسيا، وجميعها دول تربطها علاقات حسنةٌ بين الجانبين. وهو الأمر الجيد، لأن وجود وسطاء لهم وزنهم الإقليمي، وقدرتهم على الإقناع، ويملكون احتراما لدى طرفي الخلاف، أمر من شأنه أن ينجح الجهود المبذولة.

إن الخلاف مع طهران له أبعاد متشعبة، ويطاول ملفات إقليمية حساسة، في العراق وسورية ولبنان واليمن والبحرين، إضافة بطبيعة الحال للملفات المباشرة. وجميعها قضايا سوف تزداد تعقيدا في غياب الحوار، وستتعمق حالة الريبة وعدم الثقة، ويزداد منسوب التوتر في المنطقة، بسبب ما تمتلكه الدولتان من وزن إقليمي وامتداد فاعل ومؤثر عربيا وإسلاميا.

السفارة السعودية في ايران

لا أحد يستطيع أن يلوم الرياض على قطعها العلاقات الدبلوماسية. فما تعرضت له سفارتها والقنصلية، هو خرق واضح وصريح للقوانين والمواثيق الدولية، وحماية هذه المقار من مسؤولية الأمن الإيراني، وهو الأمر الذي لم يؤخذ على محمل الجد للأسف الشديد، حيث كان التقصير واضحا وجليا.

إن الحرب هي “ذروة العدوانية الجماعية، وهي الظاهرة الأكثر غرابة والأكثر فرادة أيضا بين كل الظواهر الاجتماعية”، كما يقول غاستون بوتول.

ولذا، فإن البديل عنها هو الحوار الجاد والحقيقي والذي يبنى على رغبة صادقة في التوصل لحلول عملية للمشكلات القائمة.

أهمية الحوار والحاجة له تنبعان من أنه في “حين لا نتبنى نفس الرأي، يجب التوصل إلى اتفاق أو اللجوء إلى الصراع، لا أن تختفي إحدى الأطروحتين، ويختفي من دافع عنها”، كما يقول إيريك فايل، موضحا “إذا لم نقبل هذا الحل الثاني، فيجب اختيار الحل الأول، كلما تعلق الحوار بمشكلات جدية ومهمة، أي تلك التي عليها ألا تقود لإحداث تغيير في الحياة”.

الحوار ليس خيار الضعفاء أو قليلي الحيلة، بل هو طريق يسلكه الشجعان، أصحاب العقول المتقدة، والنفوس التي تغلب مصالح المواطنين والدولة على الأحقاد.

وهو فنٌ وعلمٌ له أبجدياته وأسسه التي لا يجيدها الكثير، خصوصا مع طغيان النزعات العنصرية والمذهبية.

هو وقت العقلاء، لإطفاء شرار الجمر الذي يسعى المتطرفون للنفخ فيه وإشعاله. وعلى طهران أن تثبت للرياض أنهما جاران متعاونان، من مصلحة كليهما استقرار الآخر، وأن التفاهم هو ما يجب أن يطبع العلاقة بينهما، لما فيه مصلحة المنطقة قاطبة.

(الرياض)

السابق
ما هي الأطعمة التي يجب أن تجنبها قبل ممارسة الجنس؟‏
التالي
(خاص): قراءة في الصحف العالمية