هيهات منا… كلّ شيء!

لم يعد "لبنان – الطائفة الممتازة" حاجة عربية أو دولية، الحاجة كل الحاجة هي الآن إلى "الصِّيغة التعددية المتوازنة" التي لا تحتمل مكوّنات نافرة، والتي تقدّم مساحة لاختبار قدرة الأفراد والمجموعات على العيش معاً بسلام، متساوين ومختلفين.

إن “مشروع حزب الله”، بات، منذ نحو العام 2005 يعاني من انسداد موضوعي، نتيجة “استحالة” مشروعه السياسي – المذهبي: إن بخصوص استمرار المقاومة منفصلة عن الدولة ومرتبطة بأهداف إكسترا لبنانية، أو بخصوص الطموح إلى “تكييف” الدولة والمجتمع اللبنانيين على احتياجات الحزب، أو بخصوص “ثقافة” تدفع بالشيعة اللبنانيين إلى أن يكونوا “جالية أجنبية” في لبنان والمنطقة العربية. وهيهات منا كل شيء، في هذا البلد العصيِّ على اللون الواحد، مهما كان اللون فاقعاً وجميلاً… في عين والدته.

إقرأ أيضاً:لم يكن هاني فحص سبَّابةً مرفوعة

فيزيّن لها فائض القوة إمكانية إعادة رسم لبنان على صورة في مخيالها. مثل هذه المحاولة كانت مفهومة – لا أقول ممكنة النجاح – حتى عهد غير بعيد، حين كان لبنان لا يزال في نظر العالم كياناً يقوم على “طائفة ممتازة” يمكن لطائفة أخرى أن تتسلَّم – تنتزع منها ذاك الامتياز، وتواصل المسيرة ذاتها على طريقة “سباق البدل” في الألعاب الرياضية. ولكن نظرة العالم إلينا قد تغيَّرت تماماً في الآونة الأخيرة.

لم يعد “لبنان – الطائفة الممتازة” حاجة عربية أو دولية. الحاجة كل الحاجة هي الآن إلى “الصِّيغة التعددية المتوازنة” التي لا تحتمل مكوّنات نافرة، والتي تقدّم مساحة لاختبار قدرة الأفراد والمجموعات على العيش معاً بسلام، متساوين ومختلفين. من هنا فإن الدعم الاستثنائي الذي يتلقاه لبنان اليوم من كل العرب وكل العالم، باستثناء دولتين وفضائية تلفزيونية، إنما يأتي إلى “الصيغة اللبنانية” لا إلى فريق بعينه.

إقرأ أيضاً: اتفاق الطائف مظلوماً بين طائفتين على غير ما يُرام

أرجو أن يختار حزب الله المفضي به وبنا جميعاً إلى خلاص حقيقي. وفي قناعتي أن المدخل الوحيد الآمن إلى “اللبنانية”، بخصوص الحالة الشيعية، هو في العمل بموجب تلك الوصية الفذَّة التي سجلها شيخ حكيم من لبنان هو (الشيخ محمد مهدي شمس الدين، في “الوصايا”، ص27 – 28): “إلى الشيعة الإمامية في كل وطن من أوطانهم، وفي كل مجتمع من مجتمعاتهم، أن يدمجوا أنفسهم في أقوامهم وفي مجتمعاتهم وفي أوطانهم، وأن لا يخترعوا لأنفسهم مشروعاً خاصاً يميزهم عن غيرهم (…). ولا يجوز ولا يصحّ أن يقوموا بأنفسهم وحدهم، وبمعزل عن قوى أقوامهم، بمشاريع خاصة للتصحيح والتقويم”.

(من منشورات جمعية أمم: دفاتر 2009)

السابق
تخدير واغتصاب في طرابلس داخل سيّارة أجرة..
التالي
ما هو الكابوس الذي تنبّأته «العرّافة البلغارية» للعالم؟‏