سوريا: مرحلة خطرة

سوريا

الحادث الأخير على الحدود بين سوريا وتركيا والذي أدى إلى إسقاط مقاتلة روسية لن يشكل الشرارة الأولى لحرب قد تقع بين روسيا وتركيا، ولن يكون مقدمة لمواجهة بالواسطة بين الشرق والغرب تستعيد فيها نموذج حرب الكوريتين في منتصف القرن الماضي، ولا تستعيد نموذج فيتنام. فالصوت الروسي العالي النبرة تعود جذوره الى تلك الصورة التي اجتهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لبنائها على مر السنين الماضية. فقد عمل بجهد جهيد على محاولة استعادة صورة “الاتحاد السوفياتي” السابق وزرعها بلباس امبراطوري قيصري جديد بما ينسي الروس سنوات “المهانة” الوطنية والقومية التي عاشوها اثر سقوط الاتحاد السوفياتي بنهاية ثمانينات القرن الماضي. عمل فلاديمير بوتين بمنهجية عالية على بناء صورة روسيا “القوة العالمية” التي توازي الولايات المتحدة وتقارعها، وتقف أمامها أو بمواجهتها بندية شبيهة بما كان حاصلاً أيام الاتحاد السوفياتي السابق. وقد نجح بوتين الى حد ما في رسم صورة جديدة لبلاده تظهرها كقوة دولية جدية توحي بالخوف في جوارها الاقليمي، وتؤخذ على محمل الجد عند نشوب ازمات تعنيها مباشرة، أو تعني أمنها القومي. حصل هذا في الحرب المحدودة التي نشبت بين روسيا وجورجيا سنة ٢٠٠٨ حول جمهورية ابخازيا القوقازية، وحصل أيضاً بشكل أكثر عنفاً وعدائية مع اوكرانيا واحتلال شبه جزيرة القرم، ودخولها غير المباشر في حرب شرق اوكرانيا. في المرتين لم تواجه روسيا بردة فعل موازية من الغرب الذي تدخل في المرة الأولى كوسيط، واكتفى في المرة الثانية بفرض عقوبات اقتصادية على موسكو.
في بداية شهر تشرين الأول المنصرم اقدمت روسيا للمرة الثالثة في عهد بوتين على خوض مغامرة عسكرية – ديبلوماسية في سوريا. وفي الأسابيع الأولى شكل تدخلها بالطيران العسكري، وبإنزال عدد محدود من القوات وذلك تحت عنوان محاربة تنظيم “داعش” والارهاب بشكل عام، صدمة على أرض المعركة في سوريا، واعاد خلط الأوراق بالنسبة الى مشاريع الحلول التي ركزت منذ ٢٠١٢ على كيفية إخراج بشار الأسد من المعادلة.
منذ بدء التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا، يعمل بوتين بقوة لتغيير المعادلة على الأرض من خلال دعم محاولات استعادة قوات بشار الأسد والميليشيات الطائفية التابعة لايران الأرض التي خسروها، بما يعيد رسم مشهد جديد في سوريا يقوم على التسليم ببقاء الأسد، ومنع اقامة منطقة آمنة في الشمال مع تركيا، وضرب فصائل المعارضة المسلحة تمهيداً للجلوس إلى طاولة مفاوضات يكون فيها محور موسكو – طهران – بشار قادراً على فرض الحل الذي يراه مناسبا.
والسؤال كيف سترد انقرة، وهل تقدر أن تعتمد على حلفائها في حلف “الناتو” ولا سيما على الولايات المتحدة، وتحديداً إدارة الرئيس باراك أوباما الضعيفة تعريفا؟ إنها مرحلة محفوفة بالأخطار.

(النهار)

السابق
تركيا كسرت الغموض والتردُّد
التالي
السعودي: مكبّ بلدية صيدا سوف يتحوّل الى حديقة عامة