«داعش» عندما يهزم العالم!

اذا ثبت ان “داعش” يقف وراء اسقاط الطائرة الروسية في سيناء، وهو المرجح حتى الان، فانه سيكون بمثابة الهجوم الجوي الاول الذي ينفذه التنظيم الحديث العهد، ويستمد منه زخماً استثنائياً يرسخ صورته الاسطورية وقوته العابرة للحدود بين الدول والقارات..وهو ما يضع العالم باسره أمام تحدٍ جديدٍ لا يقل خطورة عن التحدي الذي فرضته الهجمات الجوية التي شنها تنظيم القاعدة في ١١ ايلول ٢٠٠١ على نيويورك وواشنطن.

حتى الان كان التعامل مع داعش بوصفه مليشيا محدودة تضم مخلوقات عجيبة تعتمد على ممارساتها الوحشية من أجل تقديم أوراق إعتمادها لدى هواة هذا النوع من السلوك وترسيم مواقعها الجغرافية “وخلافتها” السياسية في وجه الاعداء. كان التنظيم مجرد قوة مرهوبة تسد فراغ القوة في منطقة مضطربة ما بين العراق وسوريا، تستفيد من إحتدام الصراع على كل من بغداد ودمشق.

اذا تأكد بالفعل ان داعش هو الذي فجر الطائرة الروسية، فان الأمر يكرس التنظيم وريثاً شرعياً وحيداً للقاعدة الذي لم يكن يكره الطيران، حسبما ظن الاميركيون بعد هجمات ١١ ايلول، لكنه يتقن استخدام الطائرات المدنية خاصة وتحويلها الى اسلحة موجهة وصواريخ بعيدة وقنابل موقوتة يصل مداها بها الى ابعد مكان، وتصيب أقوى الاعداء وأشدهم حصانة.

عملية تفجير الطائرة كما يبدو كانت سهلة وفق المقاييس الارهابية: التسلل الى مطار شرم الشيخ وتهريب عبوة ناسفة في حقيبة الى قمرة الشحن وتفجيرها في الجو. سبق لإرهابيين كثيرين، من قبل “القاعدة” وبعده، ان لجأوا الى هذا الاسلوب البسيط، لكن الامر إنتهى في الغالب الى كوارث كبرى. فاستهداف طائرات اي دولة هو بمثابة إعلان حرب دولية، فضلا عن كونه تهديداً لحركة الطيران في العالم كله، مع ما يعنيه ذلك من خسائر إنسانية واقتصادية لا تقدر.

الواضح من العملية ان داعش قرر نقل معركته الى السماء. وهو قرار متعجل قياساً الى موعد التأسيس الرسمي للتنظيم قبل عامين، بينما استغرق التنظيم الأم ، اي القاعدة، نحو عشرين سنة قبل ان يتحول الى قوة جوية قادرة على ضرب العدو بطائراته.. وهو ما لا ينم بالضرورة عن ضعف او عن توتر ، بل لعله يوحي بتطور غرفة عمليات داعش وشبكاته وتكتياته وأهدافه البعيدة المدى التي تتخطى فكرة قطع رؤوس رهائنه من اجل ترويع العالم كله.

اختيار مطار شرم الشيخ والتسلل من الفوضى المصرية المستديمة ليس إختراقاً يعتد به او حتى يسهل تكراره في مطارات أخرى في اي مكان في العالم. لكن إستهداف الروس بالذات وبعد مرور اقل من شهرين على بدء حملتهم العسكرية في سوريا يمكن ان يعتبر نقطة تحول مهمة في سبل التصدي لتلك الحملة، كما في اساليب المواجهة التي قرر داعش اعتمادها من الان فصاعداً، لا سيما خارج ميادين القتال السورية.

يجوز القول ان داعش تحول بعد هذه العملية الى قوة عالمية يحسب لها ألف حساب، لانها باتت قادرة ليس فقط على إحداث اضطراب شديد في حركة الملاحة الجوية في الاجواء المصرية، بل في مختلف الاجواء العالمية التي اعلنت الاستنفار العام في المطارات والتشدد في مراقبة الطائرات، في حالة شبيهة بتلك التي اعقبت هجمات ١١ ايلول ٢٠٠١.. وتتعدى الانتكاسة الاضافية للنظام المصري او الهزيمة الحتمية لروسيا في سوريا.

داعش قوة كبرى؟ الاستنتاج مثير للأسى، وللسؤال المكرر والممل عما تفعله اكثر من ستين دولة من مختلف أنحاء العالم، آخرها روسيا، تزعم انها تحارب مليشيا واحدة ما زالت تقيم في مقرات ومراكز رسمية معلنة ترفع الاعلام السوداء في عدد من المدن السورية والعراقية، ويتجول قادتها في الشوارع والاحياء.

..لعل ابو بكر البغدادي يقرأ التاريخ جيداً، لا سيما بعض صفحاته التي كتب فيها ان التنظيم الأم ،القاعدة، هو الذي هزم روسيا واميركا وأخرجهما من افغانستان ثم من العراق ومنعهما من الدخول الى ليبيا واليمن..وها هما تعودان من البوابة السورية، لتواجها معا هزيمة جوية منكرة، ظهرت ملامحها الاولى في سيناء!

(المدن)

السابق
لبنان «الساحة» حاجة للسعودية وإيران
التالي
الراعي: من واجبنا أن ننادي بانتخاب رئيس ونطلب من مجلس النواب اتخاذ القرار التقن