تشريع الضرورة أم تشريع العنف؟

تشريع الضروة أم تشريع العنف؟ سؤال مشروع بعد قرار البرلمان بالتمديد لنفسه مرتين وانتهاكه الدستور أكثر من مرة. والجواب من غير تردد هو أن المشترع الذي يعجز عن التشريع الطبيعي ويطالب بتشريع الضرورة هو الذي يبدأ بممارسة العنف وهو الذي يتسبب بنقل العنف إلى الشارع.

إجماع لدى المراقبين وشبه إجماع لدى المشاركين في الحراك المدني على إدانة أعمال العنف التي رافقت التظاهرات. لكن هذا العنف لم يكن سوى ردة فعل على عنف تمارسه السلطة. استغرب صاحبي توجيه الاتهام للسلطة بممارسة العنف، مع أنه ليس أكثر من الأدلة على علو كعبها في ممارسة العنف، أدلة تتراكم مع عجزها عن حل أزمات الوطن المستفحلة وآخرها النفايات.

عنف الحرب الأهلية اللبنانية انفجر حين أحجم النظام اللبناني عن الاستجابة إلى متطلبات التطور الديمقراطي. كان النظام أمام خيارين إما تجديد الحياة السياسية والطبقة السياسية إما الانفجار. كأن المجلس النيابي، في امتناعه عن تعديل قانون الانتخاب، هو الذي افتتح دورة العنف. وقد ثبت أن الاصلاح السياسي، على علاته وسلبياته، هو الذي أطفأ الحرب الأهلية، غداة اتفاق الطائف. نظام الوصاية راكم أسباباً للعنف، بتعليقه العمل بالدستور وإعلانه ما يشبه الأحكام العرفية وتعطيله الحريات وكم الأفواه وإلغاء الرأي الآخر.

الطبقة الحاكمة لم تقصر، هي الأخرى، في مراكمة الأسباب، لأنها انتهكت الدستور والقوانين، ودمرت مؤسسات الدولة الديمقراطية، وألغت معايير الكفاءة وتكافؤ الفرص، وأمعنت في إذلال النخب اللبنانية واستبدلتها بمجموعات من المتزلفين وماسحي الجوخ ونصبتهم في مسؤوليات حكومية ونيابية وإدارية، وساهمت في مفاقمة التفتيت الطائفي والمذهبي على حساب الوحدة الوطنية، ودفعت بأجيال متعاقبة إلى الهجرة حين لم توفر لهم فرصاً لحياة كريمة. حين لا يقوم البرلمان بواجبه الأصلي في التشريع، ثم يطلق العنان لكلام عن تشريع الضرورة. فهو يمارس العنف ضد الشعب. وحين يتخلى النائب عن واجبه الوطني في التشريع والمراقبة والمحاسبة، و عن كونه نائباً عن الأمة، ثم يعود إلى دوامه العادي في المآتم وتعقيب المعاملات والانخراط في التعبئة المذهبية والعصبيات المحلية. فهو يمارس العنف.

 

حين يعجز البرلمانيون عن تشريع سلسلة الرواتب والأجور وينتهزون أزمة النفايات لفرض محاصصات جديدة، ويستخدمونها وسيلة للشحن المذهبي فهم يمارسون العنف. تعطيل أعمال مجلس الوزراء عنف، تعطيل انتخابات الرئاسة عنف، الامتناع عن سن قانون انتخاب يجدد النخب والحياة السياسية عنف. انتظارهم، من غير خجل، قرارات خارجية وتوازنات دولية، واستقالتهم من مهامهم الوطنية عنف ما بعده عنف، لأنهم يؤكدون بذلك احتقارهم لناخبيهم الذين نصبوهم ممثلين عنهم في هرم السلطة السياسية، وفوضوهم إدارة شؤون البلاد لا الاعتياش على الأزمات.

اقرأ أيضًا: برّي يلعب على شفير الهاوية المسيحية..

ذروة العنف السلطوي يتمثل في الفساد المستشري. يسرقون المال العام، يضاعفون ثرواتهم من مال الخزينة ويهددون الدولة بالافلاس. يحتمون بالسلاح الميليشيوي ويتحصنون بالطوائف والطائفية، ويدان الشاكي ويسرح اللصوص. يمنعون على القضاء البت بجرائم الاغتيال وصناعة المخدرات والاثراء غير المشروع ويغرقونه بهمومهم الصغيرة ويستخدمونه لكم الأفواه والحد من حرية الصحافة. ذلك كله لا يبرر للحراك المدني استخدام أي شكل من أشكال العنف ، بل هو مدعاة إلى ابتكار كل وسائل الضغط السلمي على أهل السلطة. وإلى توفير مناخ ملائم لتمكين الشارع الوطني المدني اللاطائفي من استعادة الوهج والنقاء المشهودين في مظاهرة 29 آب الماضي الحاشدة.

مثل هذا المناخ يحتاج إلى تشكيل لجنة تنسيق تضم ممثلين عن كل الحملات، من الذين يعولون على النضال السلمي الطويل النفس، ولا يستعجلون الحلول ولا يقفزون فوق المراحل، ويأخذون بعين الاعتبار أن طبقة أهل الفساد والافساد هي وحدها صاحبة المصلحة في إغراق المواجهات بكل أنواع العنف الكلامي والجسدي، و أن عجزها عن ولوج باب الحل هو صيغة متجددة لتكرار ظروف الحرب الأهلية، لأن امتناعها في الماضي عن إصلاح نظام التمثيل السياسي شكل المدخل والذريعة والسبب لانفجار الحرب الأهلية عام 1975، وقد يكون سبباً مستعاداً لانفجارها، هذه المرة، مع مزيد من الخراب والدمار والعنف. الطبقة السياسية، بلجوئها إلى التشريع أو بامتناعها عنه، تهيء البلاد لدورة عنف جديدة. الحراك المدني هو “أم الصبي” وعليه أن يكون مسؤولاً عن حماية الوطن والدولة من الانهيار، تحت شعار وحيد، الشعب يريد تطبيق النظام، بكل ما يعنيه من التزام بالدستور والمهل الدستورية والاحتكام إلى القوانين.

(المدن)

السابق
سورية وايران والسلطان اردوغان
التالي
الجيش ينفذ مداهمات في الهرمل بحثا عن مطلوبين وممنوعات