مرّ السيّء في سوريا … فبقي الأسوأ؟

“لديّ أمل بشمس جديدة ستشرق لتغطّي كل الدمار”. من الصعب أن يسمع المرء في هذه الأيّام عبارات كهذه، خصوصاً إذا كانت صادرة عن مواطنين من داخل سوريا. ولولا ورود هذا الكلام في صحيفة “لوس أنجيليس تايمس” نقلاً عن بائع داخل سوق الحميديّة في #دمشق، لاستنتج القارئ ربّما أنّ في الأمر مبالغة.

فتحْت عنوان: “في دمشق، السوريّون يظهرون مستوى مفاجئاً من التفاؤل”، نقلت الصحيفة أجواء إيجابيّة تسود القاطنين في العاصمة السوريّة. “في كلّ يوم أشعر أكثر وأكثر أنّ الأسوأ أصبح وراءنا” قال أحد الطلّاب أيضاً.

لكنّ الأجواء في دمشق قد لا تنشر عدواها الى ما هو خارج تلك المدينة. وهذا ما لا تنفيه “لوس أنجيليس تايمس” التي تشير الى أنّ المستقبل ما زال ضبابيّاً. أمّا الاجواء التي نقلتها من داخل أبواب العاصمة ففيها توصيف للحالة التفاؤليّة مقارنة مع الحالة التي سادت سكّان العاصمة منذ فترة أربعة أشهر تقريباً.

غير أنّ ما يقبع بين التفاؤل والتشاؤم في سوريا ليس شعوراً آخر إنّما حدث آخر: مفاوضات #فيينّا. فالمفاوضات تلك، على رغم استمرار الخلاف حول المرحلة الانتقاليّة وتفاصيلها، شهدت توافق المجتمعين على دعم المؤسّسات السوريّة والحفاظ على الطابع المدني لهذه الدولة.

وإذا تمّ وضع نقاط التوافق أو الاختلاف في اجتماع فيينّا جانباً، إلّا أنّ المفاوضات السياسيّة بحدّ ذاتها، تكون غالباً مدعاة للقلق أكثر ممّا هي مدعاة أمل على المدى القريب،خصوصاً بالنسبة للدولة التي تشهد المعارك على أرضها والتسويات على أرض الآخرين.

روبرت فورد، السفير الأميركي السابق في سوريا، كتب الأسبوع الماضي في “معهد الشرق الاوسط” في واشنطن مقالاً يحثّ فيه المجتمعين في العاصمة النمسويّة على بناء إطار للعمل، لكن مع ترك التفاصيل للسوريّين. وقارن فورد بين العراقيّين الذين استطاعوا عام 2006 و 2010 التفاوض على تشكيل حكوماتهم أفضل ممّا فعله الاميركيّون بين عامي 2003 و2004. وهو إذ يشدّد على ما هو مفيد للدولة السوريّة ولاحترام الأديان والتعدّديّة، مقارِناً بين مصطلحي الطابع “العلماني” والطابع “المدني” لتلك الدولة، لا يخفي في الوقت نفسه أنّ الاسئلة الكبيرة مرهونة بتوافق السوريّين لا بتوافق الدول الاجنبيّة التي عليها أن تساعدهم في الحفاظ على استقلال بلدهم. واستعان بالمثل العربي الشهير :”أهل مكّة أدرى بشعابها” كي يوضّح أكثر وجهة نظره.

لكن يصعب على المفاوضين أن يحقّقوا نتائج على طاولة المفاوضات بدون حسم أو تقدّم يحقّقه المقاتلون على الأرض. ولذلك كلّما بلغ التفاوض مرحلة متقدّمة ازداد عنف الحرب في ساحات المعارك. ولا مؤشّرات على إمكانيّة خرق المعضلة السوريّة لتلك القاعدة، في المدى المنظور على الأقلّ. ومن هنا، تبدو المفاوضات وسيلة مبدئيّة لإنهاء الحروب، لكن بعد أن تكون دفعتها الى أقصى مداها العنفي.

الكاتب دايفيد إغناسيوس، وفي مقال في صحيفة “الواشنطن بوست”، لا يبدي تفاؤلاً تجاه مسار الأزمة في سوريا. مقاله المعنون بسؤال:” كيف يمكن للصراع السوري أن يصبح أكبر واكثر دمويّة” يشير الى “جنون” أميركي وروسي. ويتمثّل الجنون بحسب وجهة نظره في قيام #واشنطن و#موسكو بتصعيد التوتّر بينهما على الارض عوضاً عن تخفيف آثاره والسعي الى حلّ مشترك للأزمة. إغناسيوس الذي يرى الحرب السوريّة أضحت فعلاً حرباً بالوكالة، على عكس تمنّيات أوباما، لا يستشفّ خيراً من ذاك الاجتماع لأنّه لم يكن “مشجّعاً”.

اقرأ أيضًا: نهاية بشار الاسد على الطريقة الروسية

من جهة أخرى، يذهب الكاتب الى وصف ما يجري في أزمات الشرق الأوسط بأنّه “حرب وتفاوض بشكل دوري”. في حين يعتقد أنّ التصعيد العسكري الذي شهدته الاراضي السوريّة مؤخّراً عبر محاولة كلّ طرف كسب المزيد من الاراضي، مقدّمة لمفاوضات ديبلوماسيّة أخرى.علماً أنّه يشير الى أنّ النظام ومعارضيه يبدون غير مستعدّين لإجراء التسويات أكثر من أيّ وقت مضى. وبعدما وصف إغناسيوس منطق الصراع في سوريا بالمتصلّب، بدا مستشرفاً لانفجار يطال المنطقّة برمّتها إذا لم تقم الدول المعنيّة بما عليها.

ارتباط الصراع السوري بالتوتّر الاميركي الروسي سيأخذ الأزمة الى أبعاد جديدة. ولن ينجلي غبار المعركة عن الساحة السوريّة قبل أن تتوضّح العلاقة بين واشنطن وموسكو خصوصاً أن لا بوادر لحلحلة قريبة في نظرة الدولتين الى بعضهما البعض. فالطرفان ينزلقان الى ساحة الصراع بطريقة ربّما لم يتوقّعها كلاهما. وحرب الوكالات التي تستخدمها الدول الكبرى من أجل الوصول الى أهدافها بدون إهراق دماء جنودها، قد تكون حرباً مريحة وذات كلفة منخفضة إذا قورنت مع الحرب الكلاسيكيّة، لكنّها غير مضمونة. فالتوتّر فيما لو بلغ حدّه الاقصى بين الدول الكبيرة قد يجرّها، في خطوة “جنونيّة”، الى اصطدام مباشر أمنيّ-استخباريّ وفي مرحلة لاحقة عسكري.

وفي هذا الوقت، لا يتوقّع كثيرون أن تحقّق المفاوضات في وقت قصير ما عجزت عنه الحروب في وقت طويل. لكن على رغم ذلك، لا مانع من نظرة تفاؤليّة تنسي السوريّين للحظات وجيزة معاناة تُكمل بعد بضعة أشهر النصف الأوّل من أكثر العقود سوءاً في التاريخ السوري.

(النهار)

 

السابق
قوى الامن : ضبط 823 مخالفة سرعة زائدة امس
التالي
مختلفات، إذن عاهرات