غلطة الشاطر الايراني

سقط القناع، وبات النصر الذي بشرتنا به القيادة الايرانية بتوقيع الاتفاق النووي مع مجموعة الدول الست في 14 تموز/ يوليو الماضي، اضغاث احلام، باعتراف واحد من اكثر الافراد تشددا في التيار المحافظ والمقرب – كثيرا- من مرشد النظام، وهو علاء الدين بروجوردي رئيس لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الاسلامي (البرلمان). بروجوردي اعترف في تصريحات نقلتها عنه وكالة انباء “تسنيم” التابعة للجهاز الاعلامي لحرس الثورة الاسلامية، ان نص الاتفاق الموقع يعطي الحق للوكالة الدولية للطاقة الذرية والولايات المتحدة الاميركية ان تطالب ايران في المستقبل بفتح منشآتها العسكرية امام التفتيش، والا فان الاتهام سيكون جاهزا لدى المجتمع الدولي لاعادة فرض العقوبات من باب وصف ايران بعدم الالتزام بالاتفاق وما جاء فيه. مواقف بروجودي جاءت بعد قراءة نص التقرير الذي اعدته اللجنة الخاصة لدراسة نص الاتفاق، والذي تلي امام البرلمان، كون هذا التقرير هو الاساس الذي سيصوت او صوت عليه البرلمان لاقرار الاتفاق النهائي في خطوة تلاقي اقراره في الكونغرس الاميركي حسب ما تم الاتفاق عليه في الخطوات العملية والمراحل الاربع التي تنتهي بالتطبيق الكامل والتنفيذي له بعد صدور قرار في مجلس الامن بالاجماع بتأييد هذا الاتفاق.

 

ولم يكتف بروجوردي بالكشف عن “الحفرة” التي وقعت فيها طهران جراء التوقيع على الاتفاق وما تمثله الموافقة على تفتيش منشآتها العسكرية من مس بالسيادة الوطنية التي طالما اكدت قيادة النظام بانها تمثل احد ابرز “الخطوط الحمراء” للنظام في اي اتفاق، بل تحدث عن ان اللجنة المكلفة بدراسة الاتفاق تشكلت من خمسة اعضاء من خارج البرلمان يملكون حق التقرير امام الاعضاء الاخرين الذين يمثلون نواب الامة في اللجنة، وان التقرير لم يأخذ بعين الاعتبار الاعتراضات التي سجلها هؤلاء النواب وملاحظاته هو تحديدا على بعض النقاط السيئة في الاتفاق، وان رفض الاعتراضات وصل ايضا للبرلمان الذي رفض الاخذ بها في الجلسة العامة التي خصصت لقراءة التقرير والتصويت عليه، ما اضطره وعدد من النواب الى اصدار بيان ادرجوا فيه اعتراضهم والنقاط السئية التي جاءت في الاتفاق والمضرة بمصالح ايران، ودفع بروجوردي للتأكيد بان التقرير الذي تلي في الجلسة العامة لا علاقة للنواب في كتابته.

وكانت القيادة العليا والرئاسة الايرانية ووزارة الخارجية قد ضغطت بعد التوقيع على الاتفاق لابعاد البرلمان عن الدخول على خط المشاركة في الاتفاق ومسار الموافقة عليه قانونيا، واعتبرت ان الهدف من محاولة عدم عرضه على البرلمان ومناقشة بنوده بالتفصيل واقرارها من قبل النواب، يهدف لابعاد ايران عن خطر الالتزام بما يقره البرلمان ويتحول الى قانون ملزم في حين ان الاتفاق سياسي وليس قانوني، الا ان حدة الخلاف بين المطالبين باحالته على البرلمان والمعارضين له، دفعت المرشد للتفتيش عن تسوية وسطية بين الطرفين، تضمن للحكومة الحصول على ما تريد وتعطي للبرلمان دورا شكليا في التعامل مع الاتفاق من دون ان يكون له دور مباشر في مناقشته من خلال تشكيل لجنة مشتركة من النواب وخبراء من خارجه تختارهم رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية تكون مهمتهم رفع تقرير نهائي عن اهمية الاتفاق بالنسبة لايران للتصويت عليه في جلسة برلمانية عامة. هذا المخرج الذي هدف الى وضع حد للخلاف بين السلطتين التنفيذية والتشريعية حول دراسة الاتفاق واقراره، حول البرلمان والقوى السياسية الممثلة فيه، خاصة الجناح المتشدد في التيار المحافظ والذي ابدى اعتراضه وحذره من الاتفاق، حوله اذا جاز التعبير الى “شاهد زور” او حسب التعبير المصري الى “شاهد ما شفش حاجه”.

 

تقرير اللجنة الخاصة لدراسة الاتفاق والمشكلة من خمسة اشخاص من المختصين واساتذة الجامعات، لم تكن اول الغيث في مسار موافقة ايران فتح منشآتها العسكرية والعلمية امام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد سبق للرئيس روحاني وبعد التوقيع على اتفاق جنيف ان بشر في مؤتمر صحافي عقده في طهران بان ايران “ستوقع على البروتوكول الاضافي للتفتيش المباغت” على الرغم من بعض الاصوات المطالبة برفض التوقيع عليه انطلاقا من انه يمس بالسيادة الوطنية للدولة الايرانية، في حين طالبت اصوات اخرى بالتروي قبل الموافقة على هذا البروتوكول بانتظار اختبار المصداقية الاميركية والدولية في التعامل مع ايران بعد الاتفاق. روحاني برر موقفه بالتوقيع على هذا البروتوكول حينها بان “التوقيع ليس اخر الدنيا، وان ايران ليست الدولة الوحيدة التي ستوقع على هذه المعاهدة، فهي ستكون الى جانب الكثير من دول العالم الموقعة عليه”. والتوقيع على البروتوكول الاضافي للتفتيش المباغت، لن يسمح للوكالة الدولية بحرية الدخول الى ايران فقط، بل سيعطيها صلاحية الدخول الى اي مؤسسة او “منزل” قد تشك في “احتمال استخدامه لاعمال غير مصرح عنها” وبالتالي فانه سيكون اضافة الى نص تقرير لجنة دراسة الاتفاق النووي مع مجموعة الدول الست بمثابة الحبل الذي سيطوق عنق النظام ويسمح للجهة التي تمسك بالطرف الاخر للحبل بالشد على العنق الايراني متى وجدت ضرورة لذلك، ولعل العبرة العراقية في التفتيش المباغت واستباحة القصور الرئاسية وغيرها من المؤسسات العراقية في العهد السابق خير مثال على ذلك.

ومن المرجح ان يسلك مسار اقرار البروتوكول الاضافي للتفتيش المباغت المسار نفسه الذي سلكه تمرير واقرار الاتفاق النووي الموقع مع مجموعة الدول الست، مع فارق وحيد واساسي، انه لن يكون امام السلطة السياسية الايرانية مجال لتشكيل لجنة من خارج البرلمان تفرض قراءتها على النواب وتجبرهم على الموافقة عليه، اذ من المفترض ان يشكل اقرار البروتوكول واحداً من مسارين، اما ان تعمد الحكومة الى اقراره من دون العودة الى البرلمان، وهذا قد يثير ازمة سياسية مع التيار الاصلاحي كتلته البرلمانية التي ستتوقف امام هذا المسار الذي يتعارض مع ما تم ممارسته ايام رئاسة محمد خاتمي خاصة بعد الاتفاق الذي تم التوصل اليه مع الترويكا الاوروبية عام 2004 اربعة وكان روحاني الطرف المفاوض من منطلق توليه منصب كبير المفاوضين وامانة المجلس الاعلى للامن القومي، عندما فرض على خاتمي احالة مشروع الموافقة عليه الى البرلمان كون البروتوكول يعتبر معاهدة دولية مكملة لمعاهدة منع انتشار اسلحة الدمار الشامل التي وقعت ايران عليها في زمن الحكم الملكي ومازالت ملتزمة بها.

 

واما ان يحال البروتوكول الى البرلمان مع تدخل مباشر من المرشد الاعلى في حدود قد لا تصل الى اصدار اوامر مباشرة في الموافقة عليه مستفيدا من صلاحياته كمرشد اعلى في ما يعرف “بالحكم حكومتي” الذي له صلاحية تعطيل الدستور في مجال من المجالات، على غرار ما حدث في تعطيل تعديل قانون الصحافة والاعلام شهر آب عام 2000، بحيث يكون تدخله من باب نصيحة النواب والبرلمان بما يشبه الاوامر بالمصلحة الكامنة لايران من وراء اقرار هذا البروتوكول. ومهما يكن المسار الذي سيسلكه اقرار البروتوكول الاضافي في ايران، فان الحقيقة التي بدأت تتوضح، تؤكد من خلال التقرير الذي صوت عليه النواب حول الاتفاق النووي واقرار البروتوكول الاضافي بعده في المرحلة المقبلة، وهذه الحقيقة تقول بان الاراضي الايرانية تحولت او قد تتحول في المرحلة المقبلة الى مسرح لعمليات التفتيش الدولي من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وان ايران لن تكون قادرة على رفض اي طلب للتفتيش في اي منشآة من منشآتها المدنية او العسكرية او العملية.

(المدن)

السابق
روسيا وورطة الجيش الحر
التالي
هذا شهر محرّم يا سيّد حسن نصرالله