إخت الهمزة

بقدر ما أحب اللغة العربية وأتلذذّ “باستقطاف لآليها” من كتابات فؤاد كنعان بقدر ما أخشى مطبّات هذه اللغة وعثراتها فأقصد ذوي الإختصاص، من زملاء متضلّعين من خبايا الصرف والنحو ومما يعرفه الطلاّب المساكين في الصفوف الإبتدائية: أقصدهم طالباً عوناً على همزة استعصى علي تشخيص حالتها وحال حرف المدّ الذي يسبقها. وحروف المدّ (أ، و، ي) تتمايز عن حروف اللين. تبّاً لها بالجملة وبالمفرّق ومفرذقاً.
وعدتُ بعض أصدقائي، ممن أثق باستشاراتهم النحوية، بأن أعينهم مستشارين لي،براتب شهري محترم، لكل منهم، لحظة يردني خبر موثوق به من إدارة اللوتو اللبناني بأن مليارات الخميس أو الإثنين، من نصيب الشبكة التي وسمتُها. واليوم أفكّر جديّاً بتعيين أحد أصدقائي مستشاراً لشؤون الهمزة. إخت الهمزة، في الإسم والفعل ومهما كانت إرتباطاتها بالضمائر مشبوهة. عادة آخذ مشورة واحدهم وأسأل الآخر عن رأيه فإذا جاء الرأي الثاني مخالفاً للرأي الأول أتصل بثالث وأخبره برأي الإثنين بموضوع الإستشارة، ومتى اجتمع الثلاثة على عشاء أو في مناسبة، أطرح الموضوع الخلافي على طاولة المازات، فترتفع أصوات منددة بالمدرسة المصرية في كتابة الهمزة، وأخرى مدافعة عنها. وأجدني في حيرة أين أضع همزة المسؤول، على الواو كما ترون أو على كرسي الياء (مسئول)؟ القاعدة عندنا تقول: إذا جاءت الهمزة متوسطة، فيُنظر بعين الإهتمام والإعتبار، إلى حركتها وحركة ما قبلها وتُكتب بحسب الحركة الأقوى. الواو أقوى من الفتحة وأضعف من الكسرة. عِنْدُكُمْ في مصر بتقول القاعدة إيه؟
تستفزني الهمزة في وسط الكلام، والهمزة المتطرفة، وتلك التي تبدأ فيها الكلمة. ولعدوّتي الهمزة باب عريض في معجم معلّم بطرس (البستاني) فهي أول حروف الأبجدية، وبحسب الشيخ عبدالله العلايلي فالألف المتحرّكة تسمّى همزة والليّنة الساكنة تسمّى ألفاً أما كون الألف من حروف المباني فمحلّ خلاف لست مؤهّلاً للبت فيه في هذه البرهة، وأساساً لا مشكلة بيني وبين الألف في أوّل الكلمات. القصة بالنسبة إلي محصورة بهمزة تقفز من كعب الألف إلى الكرسي.أكون معتاداً لأعوام على “ترتإي” و”يقرأون” و”تبدأون” فيأتي من يصرّ على “ترتئي” و”يقرؤون”… ويقرأ على مسمعي القاعدة الثابتة التي لا تحتمل الجوازات.قاعدة خلقها ضيّق.
قبل 81 عاماً تصدّى الخوري مارون غصن للهمزة في كتاب “حياة اللغات وموتهاـ اللغة العامّية، الصادر عن المكتبة الكاثوليكية سنة 1925 (سعر النسخة 15 قرشاً) فوضع قواعد لكتابة العامية السورية فاقترح في فصل كتابة الحروف. “تُكتب الهمزة في أوّل الكلمة بصورة الألف، ولو سبقتها “أداة التعريف” أو “هاء” الإشارة مثلاُ: أكلِه، الأكلِه، هلْأكلِه. والهمزة يندُر وقوعها، في اللغة العامية، في وسط الكلمة أو آخرها. فإذا وقعت في الوسط، ُتكتب دائماً بصورة الياء، مثلاً فُئاد (فؤاد ما غيره إبن أبو فؤاد) وإذا كانت في آخر الكلمة، كُتبت بصورة همزةالقطع،أي بدون كرسي، مثلاً: جزء.
و”همزة القطع يا أعزائي الئِرّا (القرّاء) هي التي تثبت في ابتداء الكلام والدرج جميعاً” فيما همزة الوصل “هي التي تثبت في ابتداء الكلام وتسقط في الدرج” ويا ليتها تسقط وتفك رقبتها. والهمزة “هذا الحرف الطائر المشاكس” كما كتبت رشا الأمير في “كتاب الهمزة” أجدها إن كبّرتُ الحرف أشبه بمفك العزقات.

 

السابق
المحكمة الدولية: تغريم كرمى خياط 10 آلاف يورو لعرقلتها سير العدالة
التالي
من هو الفنان الوحيد الذي أحيى زفاف الشيخ بهاء الحريري