أكرم شهيب: سوبرمان أو «خزمتشي»؟

العقلية المافيوية القديمة الجديدة التي يتمتع بها كل زعماء لبنان، جعلت اللبنانيين ينظرون إلى خطة الوزير أكرم شهيب لحلّ أزمة النفايات وكأنّها استمرار للفساد الذي يتآكل الطبقة السياسية.

لو أنّ الشعب اللبناني لا يعرف جيدًا هذه الطبقة السياسية أبًا عن جد، ولو أن المواطنين لا يفهمون الطريقة التي يقاربون فيها الموضوعات الحياتية أو حتى السياسية، وبأن مصالح الافرقاء المالية والتجارية هي وحدها دون سواها تشكل الحافز الأوحد في تقديم أو تأخير أي من الموضوعات. وعلى ضوء ذهنية الربح والخسارة فقط تتبلور المواقف في هذه العقليات المتعفنة، حيث لا وجود البتة لأي حيّز فيها لما قد يسمى مصلحة المواطن أو حقوق المواطنين.

لو أنّ الشعب اللبناني ليس على يقين تام من هذه العقلية المافيوية القديمة الجديدة عند كل الزعماء، لكان ينبغي أن نشهد اليوم، وبعد اقرار خطة الوزير المنتدب و”السوبرمان ” أكرم شهيب وبانعقاد اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء، ونرى موجات من الاحتفالات والرقص والغناء وحلقات الدبكة اللبنانية تعمّ كل شوارع وأزقة بيروت، تعبيرًا عن الشكر والامتنان لما تفتّقت عنه عبقرية الحكومة والخلاص من أزمة النفايات الكبرى التي أزعجت اللبنانيين طوال هذه المدة.

إلا أنّ إعادة سريعة لشريط الأحداث يمكن أن يوضح لنا بشكل لا يقبل التشكيك أن شهيب ومعه كل الطاقم السياسي، وخلفه كل منظومة الفساد المتحكمة بثروات البلد لم تتحرك ولم تفلح في معالجة هذا الملف بخلفية موضوعية، أو بأنه اجترح حلولا كانت خافية على الطفل اللبناني فضلا عن الوزير المعني محمد المشنوق.

ولعل الحدث المستجد والأبرز في هذا الشريط هو الحراك الشعبي الذي قفز بقوة على سطح الحياة العامة في لبنان، مما خلق صدمة غير متوقعة عند كل المعنيين والمراقبين، فالحراك الشعبي على كل علاته وبكل ثغراته وبما يحتويه من غث وسمين. شكّل في الاسابيع الماضية ما يشبه زلزالا سياسيا عمل على خلق فرز صدموي بالشارع اللبناني ليتحوّل الصراع بين فريقي 8 و 14 الى صراع حقيقي بين مافيا الحكم بشقيه وبين المواطنين.مما خلق حالة من الارباك والتوتر كانت واضحة معالمها على أداء كل الطبقة السياسية التي اكتشفت فجأة بأن الشعب اللبناني يمكن أن يغضب، وأكثر من ذلك بأن الشعب اللبناني يمكن أن يعبر عن هذا الغضب! الأمر الذي لم يكن يوما في قاموس المسؤولين اللبنانيين ولم يندرج في حسبانهم ولو لمرة واحدة.

وأمام هذا المستجد، الذي أستطيع أن أدعي أنه هدد ويهدد كل مصالح الزعماء والقوى السياسية بدون أي استثناء “كلن يعني كلن”، حتى تلك القوى الرئيسية منها والتي تتمتع بحضور شعبي وجماهيري واسع، لأنّه ومهما عظمت واتسعت تلك الشريحة من الاتباع والمؤيدين فإنّ القيمين عليها يدركون جيدا أنّها سوف تصاب حتما بعدوى الغضب وبفايروس التعبير عن نفس المعاناة التي يعيشونها هم أيضا، في حال استمرار الحراك وبقائه في الشارع.

اكرم شهيب

فبعد ملاحظة نجاح  هذا الحراك في تخطي كل العقبات المفتعلة “مندسون – عنف – اتهام – فوضى -.. ” بهدف إجهاضه، لم يبق أمام هذه الطبقة المتضررة والمهددة عروشها إلا اتباع سياسة “سحب الذرائع”، ولأن النفايات شكلت الشرارة الأقوى كان لا بد من إيجاد مخرج سريع بهدف إطفاء هذه الشرارة. فكان الحوار، وكان أكرم شهيب وكانت خطته الميمونة، وكان الاجتماع الاستثنائي، والهدف طبعا ليس من أجل حل أزمة نفاياتنا المرمية على الشوارع، بل لحلّ أزمة نفايات صفقاتهم المعقودة في الغرف السوداء.

وعليه فإنّ السوبرمان أكرم شهيب لا يعدو أكثر من “خزمتشي” يحرس مصالح أسياده.

السابق
السيّد محمد حسن الأمين: الغضب الشعبي حقّ طبيعي لـ«الّلبنانيين»…
التالي
إيلان .. استغلال المأساة للترويج الدعائي