المسامحة

هاني فحص

أنا رجل دين مؤمن أولاً، وليس الناس في نظري كفّاراً، وديني يحثّني ولا يرضى منّي إلاّ أن أسامح أيّ فرد يرتكب المعصية في حقّي. لأنّي مأمور بكره المعصية وبمحبّة العاصي من أجل تركه المعصية. وأنا أعصي أيضاً وأحتاج إلى مسامحة. وأنا شخص نسبيّ وسطيّ، أدعو إلى التسوية الدائمة. أسامح من أجلها بحقوقي الشخصية، وحتى الزوجية إذا اقتضى الأمر، ولكني لا أسامح بحقوقي الوطنيّة. وإذا خُيّرت بين أن أكون ظالماً أو مظلوماً، أختار الخيار الثاني بحماس ورضى.
في أدبياتنا أن الله من عدله أن يتسامح مع العبد المقصّر في حقوق ربه، وليس من عدله أن يسامح من يعتدي ماديّاً أو معنوياً على الناس، إلا إذا سامح المعتدى عليه.
لا أسامح ولا أتسامح مع الاستعمار و”الاستحمار” والشموليات الغولية في شيء. ولا أريد أن أقتصّ من اليهود لأهلي هنا وفي فلسطين، والسلام العادل يلزمني بذلك. وأتمنى لو أن اليهودي يتحرّر من الصهيونية لكي أنسى. والمؤسف أن الأصولية والسلفية واليهودية يتعاظم نفوذهما في الصهيونية، لا في مواجهة الصهيونية، بل مثل سلفياتنا وأصولياتنا الدينية او العلمانية أحياناً، أي في وجه الدين لا مع الإنسان.
لا أسامح ولا أتسامح مع الأفراد والأحزاب والدول، التي تعيق بناء دولتي المدنيّة التي أحفظ بها أهلي وديني، أو التي تهدّد ما تبقّى من هذه الدولة.
لا أسامح الدول التي تريد إنتاج الدّين. ولا الجماعات الدينيّة التي تريد إنتاج الدولة، لأن في ذلك خطراً عليهما.
لا أسامح أحداً يستقوي عليّ بمخالفة القانون، ويلوي عنق الشريعة ليُغطّي بها ارتكاباته.
يمكن أن أتسامح، من دون أن أعفو، عن الاعتداء المعنويّ عليّ، وأتنازل عن حقي الشخصي في العقوبة، إذا كان ذلك سبباً للصلاح. لا أعاقب أحداً بيديّ، وأدعو بالشلل للأيدي التي تشل يد القضاء.
لا أسامح من ينتقص من صفة المواطَنة أو الإنسانية أو الإنسان. ومن يختزلني في طائفتي، ومن يختزل طائفتي أو ديني في حزبه، والدولة في عصبيّته.

هاني فحص
لا أتسامح مع المختلف عني دينياً أو إثنيّاً أو مذهبياً أو سياسياً، ولا أريده أن يتسامح معي.
أريد أن نتحاور لنتكامل مع موقع التكافؤ والتناظر، ولتزداد معرفتنا المتبادلة بذواتنا وحقائق الكون والحياة. أقبله من أجلي أولاً، ثم من أجله، إذا قبل ذلك، ولا ألزمه بالقبول. لا أتقدّم إليه متسامحاً بخصوصياتي، ولا أريده متنصّلاً من خصوصياته، من أجل أن يحظى بقبولي له، لا صدقاً ولا نفاقاً.

(من كتاب على مسؤوليتي – منشورات صوت لبنان)

السابق
مراقبو وزارة الصحة أقفلوا سناك نصار في صيدا
التالي
لأمم المتحدة “مصابة بالذهول” جراء غارات الأسد على دوما