مَنْ يُهدِّد مَنْ السعودية أم إيران؟

ما يجري في العراق وسوريا واليمن من معارك أبرز خلفياتها مذهبي وقومي يدفع العلاقات المتردية أساساً بين السعودية وإيران الى الكثير من التدهور. ويعتبر مسؤولون بارزون في طهران أن تهديدات الرياض لدولتهم تتزايد، وأن عليها أن تحضِّر أساليب جديدة لمواجهتها. ويعود العداء السعودي لإيران في رأيهم إلى أسباب إيديولوجية وأمنية وإقتصادية. وقد زاد من حدّته تعاظم الشكوك المتبادلة، وغياب الثقة بين الدولتين. ومن شأن تفاقم التوتّر بينهما دفع قيادتيهما إلى الانتقال من التحارب بواسطة حلفاء إلى التحارب المباشر، وخصوصاً إذا بلغ تدهور الأوضاع في سوريا والعراق حداً بالغ الخطورة. ويبدو أن الاقتناع بوجود تهديدات سعودية جدية لإيران لا يقتصر على مسؤولين فيها بل يشمل أيضاً الولي الفقيه آية الله علي خامنئي إذ ردّ محذراً: “وصلتنا معلومات أن أعداءنا يعملون مع حكومات خليجية من أجل توسيع الحرب بالوكالة معنا إلى حدودنا. ونحن لن نسكت وسنردّ بحزم وحسم”.
إلا أن ذلك لا يعني في رأي باحثين أميركيين جدّيين أن الدولتين تخلّتا عن الاتصال والديبلوماسية المباشرين لحلّ خلافاتهما بالحوار والسعي إلى مقاربة مشتركة للمشكلات المحيطة بهما.
في اختصار، يؤكد هؤلاء أن القضايا التي تسمِّم العلاقات المشار إليها إقليمية. ففي سوريا ضحّت طهران ولا تزال بمليارات الدولارات لمساعدة نظام الأسد على الانتصار في الحرب الأهلية – المذهبية المحتدمة في بلاده. ومدّته بآلاف المقاتلين (الشيعة) من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان وغيرها، وزوَّدته أسلحة متنوعة ودفعت ثمن أسلحة روسية له، وذلك رغم ضائقتها الاقتصادية، ورغم مقتل عدد كبير من أبنائها في سوريا، ورغم حاجتها إلى المال لإعانة مواطنيها الذين يشعرون بالضيق و”الضيقة”. وفي العراق تسعى إيران إلى السيطرة على الغرب السنّي، وفي اليمن شجّعت حلفاءها الحوثيين على الانقلاب على الرئيس “السعودي الهوى” عبد ربه منصور هادي.
هل يوافق السعوديون على تحميل إيران إياهم مسؤولية تدهور علاقاتها معهم؟
طبعاً لا، يجيب باحثون أميركيون يعرفون السعودية جيّداً. فهي تدعم جهات ودول تواجه إيران سواء على حدودها أو في الإقليم. لكن هدفها هو مواجهة الخطر والتحدي اللذين تشكِّلهما لها إيران وخصوصاً بعد تنفيذها مشروع السيطرة على قلب الشرق الأوسط، لولا “ربيع” الصدفة قبل سنوات، ولولا تخلي حكّام المملكة عن تحفظهم المعروف وجمودهم وتفضيلهم تلافي الإنخراط المباشر في المواجهات السياسية بعد استشعار الخطر.
ويضيف هؤلاء أن إنهاء أميركا سياسة احتواء إيران باتفاق معها حول “النووي” ولاحقاً حول قضايا إقليمية، سيجعل الرياض وحيدة في مواجهة خطر هيمنة إيران على المنطقة. والأخيرة تعتبر نفسها زعيمة لها وترفض تدخُّل أميركا في شؤونها. وما يدفع السعودية إلى الإستنتاج المذكور اقتناعها بأن أوباما غير معني كثيراً بالخليج “العربي” ودوله، ولذلك فهي تسعى إلى بناء مواجهة جدِّية، لكنها لم تبلغ بعد مرحلة إنجازها. وقد يكون عمادها العودة إلى العروبة بعد استشراء الصراع بل الحرب بين السنّة والشيعة وضررها كبير على الجميع. ولكن ليس عروبة عبد الناصر التي قامت على مواجهة “الامبريالية الدولية”. بل عروبة تعاون الدول العربية لمواجهة تحديات واعتداءات دول غير عربية عليها.
وإذا استمرت السعودية في المشروع المشار إليه ونجحت، فإن شرق أوسط جديداً سيقوم، وسيكون منطقة لدولها تحالفات خارجية وإقليمية مختلفة كثيراً عن السابق. ويعني ذلك أن السعودية التي تنتظر دائماً حماية أميركية قد انتهت، وقامت سعودية جديدة مُواجِهة ومعها منطقة خارج دائرة الرعاية الأميركية.

 

هل التوقعات هذه معقولة؟
يعتقد العارفون بالمنطقة ودولها العربية انها مبالغ فيها لأسباب ثلاثة. الأول عدم قدرة المملكة على تنفيذ التحوّل الجذري المشار إليه. والثاني حاجة أميركا إلى الاستمرار اللاعب الأقوى في الشرق الأوسط رغم ازدياد اهتمامها ببحر الصين الجنوبي بسبب نفطه الذي تحتاج إليه الصين، ولن تتركها أميركا تستفيد منه من دون مقابل سياسي. والثالث غياب أي مصلحة لأميركا في ترك إسرائيل حليفها الإستراتيجي بين “عدوّين” هما إيران والسعودية رغم الاتفاق النووي مع الأولى والتحالف المزمن والمهتز حالياً مع الثانية.

(النهار)

السابق
فتفت : لمراقبة مدى جدية الدول الكبرى في إشرافها على تطبيق النووي
التالي
أبو فاعور طلب إقفال صالونا للتجميل في منيارة لمخالفته القوانين