جديد الحرب على «داعش»

لا جديد تحت الشمس الأميركية. فالتحولات في أزمة المنطقة تأتي من الشرق. الكلام الروسي حول ضرورة قيام حلف إقليمي رباعي لمواجهة التنظيمات التكفيرية، أثار زوبعة إلا بين الأطراف المعنية، دمشق وعمان والرياض وأنقرة. والسبب يتدحرج من استبعاد الفكرة من أساسها، إلى استحالة جمع الدول المعنية إلى طاولة واحدة، إلى تجاهل المبادرة دعوة دولة مركزية كإيران، إلى من يقول إن الطرح الروسي جدي إلى درجة، تستدعي إبعاده عن التداول الإعلامي، كونه يسعى إلى حلف سني ضد تنظيم سني، بحاجة إلى تأطير ضمن مظلة إقليمية شاملة، توزع دماء «داعش» بالتساوي بين القبائل، تحسباً لثأر لاحق.
الاقتراح الروسي جاء قبيل تحول كبير ثان في الحرب على «داعش»، أي إعلان التنظيم الحرب على مصر في شمال سيناء. كانت بداية حرب، بالمعنى الحرفي، تحضيرات ميدانية منسقة شارك فيها المئات من المقاتلين. هجمات سريعة ومتتابعة على مراكز السيطرة والحماية والاتصال الرسمية، ومواكبة إعلامية واسعة عبر عشرات آلاف الحســابات المنتشرة على المواقـــع الإلكترونية ووسائط الإعــلام الاجـــتماعي، التي ضخمت من حجـــم المعــارك، وساهمت في إرهـــاب الآمنين في «الشــيخ زويد».
رد الفعل المصري كان بحجم التهديد. وحسمُ المعركة قبل أن تتمدد، أو ينجح التنظيم في تحويل خبطة إعلامية إلى إنجاز على الأرض، يستولد إنجازات أكبر. أما على المستوى السياسي، فقد أرسلت القاهرة عبر جناحها الديبلوماسي البديل، جامعة الدول العربية، إشارة مشجعة إلى دمشق تؤسس لتعاون في مكافحة الإرهاب.
تعبئة مصر في المعركة ضد «داعش» تحول كبير في مسار الحرب على التنظيم. لكن تعاطي القاهرة معه من باب الدعاية الحربية، لا يليق بحجم المعركة، ولا بحجم المخاطر المتربصة بالمنطقة. ولم تكن موفقة على الإطلاق صورة الرئيس المصري بالزي العسكر في سيناء. أن يدعم عبد الفتاح السيسي جيشه أمر طبيعي، ولكن العودة إلى البزة العسكرية لن يفيد موقع الرئاسة المدني، لا بل يسيء إليه.
سمعة الرئيس المصري في مجال حقوق الإنسان واحترام القوانين المدنية مختلة، والزي العسكري يزيدها اختلالاً، خصوصاً مع مطالبته بصلاحيات قضائية استثنائية، يترحم من بعدها المصريون على قانون الطوارئ، ويعيدهم إلى مربع المفاضلة بين عسكرة النظام وقمعه، وبين الخيار الإسلامي وقمعه أيضاً. بإمكان دولة مصر المدنية أن تخوض الحرب مظفرة من دون الاستهتار بمدنيتها وقوانينها.
في المقابل، لم يرتدِ الرئيس باراك أوباما زيّ الميدان العسكري خلال مؤتمره الصحافي الأخير الذي قال فيه إن التحالف الدولي سيهزم «داعش»، ولو بعد حين، علماً أن أوباما هو الرئيس الأعلى للقوات المسلحة الأميركية، التي تتوزع قواعدها العسكرية على القارات الخمس.
الموقف الأميركي من «داعش» لم يتغير منذ بدء عمليات الحلف الدولي. والتوقعات بطول مدة المواجهة هي ذاتها. والرهان على المعارضة المعتدلة المسلحة يتراجع، لكثرة السلاح بين الإرهابيين، وفراغ المعارضة، وندرة المقاتلين المطابقين للشروط الأميركية، إلى درجة صار معها الإعلان عن تدريب ستين «معارضاً»، خبراً رئيسياً تحتفي به وسائل الإعلام الغربية.
مع الشح الأميركي والحراك المشرقي، وبرغم تضاؤل احتمالات التقارب الإيراني – السعودي ولو برعاية أميركية «نووية»، يبدو عمر «داعش» قصيراً، إلا أن القضاء عليها بحسب الأداء العربي والدولي، سيكون مكلفاً بما يفوق التوقعات.

(السفير)

 

 

السابق
الجيش : توقيف شخصين في طرابلس ومداهمة منزل في الفنار
التالي
أزمة اللاجئين السوريين هي الأكبر في العالم منذ ربع قرن