شيعي-شيوعي يقاتل في سوريا

ساطع نورالدين

لم يكن متوقعا من الشيوعيين اللبنانيين وحزبهم العظيم وقيادتهم الحكيمة ان يلاحظوا ان المعركة التي بدأت في مثل هذه الايام من العام 1976 مع سوريا-الاسد لم تنته بعد. فقد اثبتوا طوال العقود الخمسة الماضية أنهم بلا ذاكرة، او أن ذاكرتهم هي الاضعف بالمقارنة مع بقية القوى والهيئات السياسية التي انتجها لبنان على مر الزمن. السخرية التي أثارها خبر إلتحاق الحزب الشيوعي في الحرب الاهلية السورية الى جانب نظام الاسد، تحت راية حزب الله، على جبهة الحدود الشرقية، لا تخفي الحزن ولا تعوضه. هي تضاف الى مسلسل الخيبات الذي لا يتوقف منذ ان اصبح الحزب مهزلة، وصار اعضاؤه مضحكة، وبات شهداؤه بلا إسم..وعلى يد سوريا-الاسد بالذات.

 

سبق ان تورط الحزب في حروب أهلية عديدة، وسبق لمقاتليه ان تحولوا الى مرتزقة، مثلا، عند نظام معمر القذافي في حربه التشادية الشهيرة، لكن المشاركة في الحرب السورية، ولو بذريعة الدفاع عن الاراضي اللبنانية، تحتمل المزيد من المخاطر والنهايات المفجعة.هي تستكمل، وربما تتوج نزاعاً اهلياً لبنانيا قائما الان بالتحديد حول الموقف من تلك الحرب ودرجات المساهمة فيها.. من اسوأ تجلياته ذلك الاستنفار المذهبي السني الشيعي، الذي يعلن الشيوعيون انخراطهم به بشكل واضح وصريح.

 

المشاركة الشيوعية هي بمثابة إنحياز لا لبس فيه للشيعة ضد السنة، يفاضل بين أحزابهما الدينية، على اسس لا تمت بصلة الى الايديولوجيا الماركسية ولا الى الممارسة التي كان يفترض ان يدركها الحزب الشيوعي اكثر من غيره، خصوصا وانه كان ضحيتها الاولى.. ولا يمكن ان يسندها الادعاء الرائج بأنها دفاع عن المقاومة في وجه العدو الاسرائيلي، وعن نظام داعم لها، سبق ان طعنها في الظهر اكثر من مرة. بداهة القرار بالقتال مع النظام السوري وخطورته تكمن في انه يستجيب لجو شيوعي-شيعي محلي يستلهم خطاب الاسد عن المؤامرة الكونية والتكفيرية ويستدعي الوحي الروسي والصيني ليقدم تبريراً واهياً للخروج الى تلك الحرب التي اصبحت قذرة بكل ما للكلمة من معنى.. مع ان روسيا بالذات تستعد للانسحاب منها بعدما استنفدت ارباحها المالية والسياسية وهي تقود الان مساعي البحث عن بديل للاسد ونظامه. وهي معلومات علنية يعرفها الجميع، عدا أشاوس الحزب الشيوعي الذاهبين الى حرب توشك على الانتهاء. الموقف الرسمي للحزب لا يثير الاستغراب.

 

ففي الطائفة الشيعية ثلة تروتسكية تنادي اليوم بالقتال مع النظام السوري، وتعتبر انه السد الاخير في هذا العالم في وجه المشروع الامبريالي الاميركي الروسي المشترك، وفي وجه المخطط الخليجي القاعدي التكفيري. وثمة مجموعة ماوية ايضا تكاد تنهي حديثها عن ضرورة مثل هذا القتال، وعن الحاجة الى تعميم التجربة الشيوعية الصينية ، بالاشارة الى ان المهدي المنتظر لن يظهر الا في الصين، ويقود جيش الخلاص الآتي من ايران لتحرير المشرق العربي! لا عجب ان يتخذ الحزب مثل هذا القرار بالتورط في حرب اهلية كان الحد الادنى من الفطنة يقتضي تجنب الاقتراب منها بأي شكل من الاشكال، ان لم يكن باعتبارها انتقاماً سماوياً متأخراً من سوريا-الاسد، وما فعلته بلبنان، ويساره وشيوعييه خاصة، طوال خمسة عقود، فعلى الاقل بصفتها شأناً سورياً داخلياً بحتاً، هو بالتعريف، وبالتجربة ايضاً، أكبر من لبنان ومن اي فصيل سياسي او عسكري فيه. يمكن الاكتفاء بالتندر، او السير في جنازة الحزب الطويلة ، لكن ثمة ارواحاً زهقت او هي على وشك ان تزهق في المعركة التي ما كان الشيوعيون مدعوين إليها، لا من قبل موسكو طبعا، ولا من قبل طهران، ولا طبعا من قبل دمشق التي تستعد لاستقبال رايات الاسلام الخفاقة..التي لا يمكن أن تصفح عن ماركسي او ماوي او تروتسكي، خصوصا اذا كان آتياً من لبنان.

(المدن)

السابق
شيعة لبنان.. المختلفون
التالي
بالصور: طقوس شهر رمضان حول العالم