جورج حاوي وحسن نصرالله

لسنا بصدد المقارنة بين قائدين بل بين خطابين. الأول ألقي في عام 1981 والثاني تكرر على مدار السنوات العشر الأخيرة بنسخ متنوعة. توقع الحزب الشيوعي، بتحليلاته الصائبة ونظرته الثاقبة ومعلوماته الدقيقة التي كان يستقي بعضها من المخابرات السوفياتية، أن تشن إسرائيل هجومها المرسوم على لبنان في عام 1981، على أن يكون في توقيته داعما للقوات اللبنانية في معركتها ضد الجيش السوري في مدينة زحلة، ولينفذ آرييل شارون، وزير الدفاع، رغبته وخطة إسرائيل في اجتياح لبنان وطرد القوات المسلحة الفلسطينية. غير أن الظروف الدولية والاقليمية فرضت تأجيل العدوان حتى حزيران من العام التالي.

 

جال جورج حاوي ليلقي خطاب التعبئة في بعض المناطق اللبنانية دون بعضها الآخر المغلق بقرار من حلفاء أو خصوم لبنانيين (جبل لبنان الجنوبي والشمالي) أو برغبة تشبه القرار تمليها إرادة المخابرات السورية (البقاع). بعد مضي خمس وثلاثين عاماً، بدا خطاب حزب الله كأنه يكرر الأفكار ذاتها التي ساقها جورج حاوي لإقناع محازبيه وأنصاره بتنفيذ قرار القيادة القاضي بإعلان التعبئة العامة في صفوف الحزب والقوى الوطنية اللبنانية، وبدا يكرر الطريقة ذاتها في تعميم الخطاب على المناطق حيث يتاح له بثه على الشاشات. في خطاب جورج حاوي كما في خطاب السيد حسن نصرالله كلام عن الخطر الوجودي لما فيه من إثارة للمخاوف على المصير وتحفيز على الدفاع عن النفس ضد عدو خارجي وخطر داهم. لكن الفارق كبير بين الخطابين.

 

الخطر الاسرائيلي لم يكن وهماَ ولا ضرباً من الخيال، ولا محل التباس. مع ذلك لم يقتنع اللبنانيون بجميع الحجج التي أوردها الخطاب “الوطني”، حتى أن بعض الجنوبيين ضربوا بها عرض الحائط ورشوا الأرز على جيش الغزو، اعتقاداً منهم أن السياسة “الوطنية” هي التي كانت جزءا من أسباب استدراج “الدب الاسرائيلي إلى كرم الوطن”. فكيف بخطر محتمل يهدد به حزب الله، وهو متهم باستدراجه؟ خطاب جورج حاوي نبه إلى الخطرالاسرائيلي المباشر المتمثل باحتلال الأرض، وغير المباشر بتهديد لبنان ومن بعده الدول العربية الأخرى بالتقسيم، وبإنشاء دويلات طائفية ومذهبية، مسيحية وشيعية في لبنان، وعلوية وسنية في سوريا وكردية في العراق، وبإثارة إتنية على امتداد الأمة.

مستنداً إلى كل ذلك، دعا كل الشيوعيين والوطنيين إلى الالتحاق الفوري بالتعبئة العامة، دفاعا عن الوطن، وطالب الموظفين بالتخلي عن وظائفهم والطلاب بإرجاء دراستهم، لأن الواجب الوطني يدعوهم إلى مواجهة العدو الصهيوني وأطماعه التوسعية. رغم قوة الحجة وسطوعها لم يلتحق أحد بالتعبئة من خارج الحزبيين وأنصارهم القريبين، وظل الالتفاف حول شعارات المواجهة شكلياً إلى أن حصل الاحتلال وتأكد للبنانيين أن المخاوف المتوقعة كانت في محلها. قبل ذلك كانت الخشية من تداعيات الانقسام الوطني الحاصل فعلاً، أشد وقعاً في النفوس من احتلال محتمل.

 

ولم يحظ “الجناح العسكري” للحزب الشيوعي، بالاحترام الوطني إلا بعد أن تحول إلى مقاومة للاحتلال. خطاب حزب الله لا يثير المخاوف على المصير الوطني بل على مصير الطائفة، وأفقد المقاومة بعدها الوطني. ولأن همه تراجع حتى حدود الطائفة كان من الطبيعي أن يفقد الحظوة التي أكسبته إياها مقاومته الباسلة.

 

ولذلك بدا كأنه يشكل تهديداَ صريحاً للوحدة الوطنية ومبطناً لوحدة الطائفة. ليست المرة الأولى التي يستنكف فيها عن الاستفادة من تجربة الحرب الأهلية، حتى لا يكرر أخطاء سواه فلا يورط نفسه والوطن في حروب بالوكالة كتلك التي خاضتها الحركة الوطنية وحركة أمل نيابة عن حافظ الأسد وياسر عرفات، ولا في القتال من أجل مشاريع فوق وطنية كالأممية الاشتراكية أو ولاية الفقيه، أو دون وطنية كمشروع الشيعية السياسية، ولا ينزلق في توسيع دائرة المعارك إلى ما وراء الحدود، على غرار ما فعل الشيوعيون والاشتراكيون حين راحوا يدافعون عن القذافي في تشاد، ولا يعلن الجهاد من أجل مصالح ومشاريع حزبية فئوية لا تحظى بالاجماع بل تفرط بالوحدة الوطنية.

 

نفذ الشيوعيون قرار التعبئة فنصبوا الخيم في قرية عازور من منطقة جزين،ورحت أزور باسمهم الزعيم الوطني جان عزيز، مستأذناً منه إقامة المعسكر في غابة الصنوبر. قال لي سأستقبلك بحفاوة يستحقها مناضلون يدافعون عن أرض الوطن، مع أن الاستئذان جاء متأخراً، كمن يطلب العروس من أهلها بعد خطفها. العتب اللطيف على الحزب الشيوعي تحول غضبا شديدا على حزب الله المتهم بخطف الوطن كله ولا يريد أن يستأذن أحداً لا قبل الخطف ولا بعده.

(المدن)

السابق
نداء لحماية لبنان
التالي
توقيف سوريين اثنين من داعش في البقاع