25 أيار 2000.. انسحبت اسرائيل وغابت السلطة؟

عيد التحرير
25 أيار 2000، يوم مجيد في تاريخ لبنان الحديث. إنه اليوم الذي استكمل جيش العدو الإسرائيلي انسحابه من الجنوب اللبناني باستثناء مزارع شبعا. في ذلك اليوم عاد الجنوب إلى السلطة، ولكن طُرح مباشرة سؤال: هل عادت السلطة إليه وتحملت مسؤوليتها تجاه الجنوب وأهله؟

انسحبت إسرائيل من الجنوب لسببين أساسيين، السبب الأول: نجاحها في إجراء عملية جراحية طالت الجسد اللبناني وأمعنت في تمزيق نسيجه الاجتماعي، فرعت حرب الجبل عام 1983، وحضرت لحوادث شرق صيدا عام 1985، والتقت بشكل موضوعي مع حكم الرعاية السورية الذي رعى الحروب بين المكونات اللبنانية. لكن إسرائيل فشلت في إقامة حكم موالٍ لها، بعد فشل تجربتها مع بشير الجميل، في حين نجح النظام السوري في بناء نظام الترويكا الذي أجهز على دور المؤسسات الدستورية وحوّلها إلى مؤسسات تنفذ ما يتفق عليه رجال الترويكا وتحت الإشراف السوري المباشر.

يومها صار واضحاً لإسرائيل أنها لن تستطيع أن تجني سياسياً ما يستحق أن تدفع ثمنه عسكرياً وامنياً. وأن احتفاظها بمزارع شبعا يؤهلها للإمساك بمناطق استراتيجية من دون أن تدفع ثمناً أمنياً وعسكرياً لذلك.

السبب الثاني: فشلها في توجيه ضربات قاتلة للمقاومة اللبنانية في تلك المرحلة ونجاح حزب الله الذي قاد المقامة في تلك المرحلة، الانتقال من حرب القواتين إلى حرب العصابات وتوجيه ضربات مؤلمة لجيش الاحتلال الإسرائيلي وعملائه في جيش لحد.

عام 2008 خاض حزب الله وفي شهر أيار نفسه وقبل أيام من ذكرى التحرير حربه الأهلية الداخلية الثانية

وحزب الله هو الوريث الذي استكمل عمل المقاومة ضد إسرائيل التي بدأت منذ قيام إسرائيل، بنسخ مختلفة كان أهمها تجربة جبهة المقاومة الوطنية التي نشأت في 16 أيلول 1982. بعد انسحاب إسرائيل كان وضاحاً أن السلطة الفعلية في الجنوب قد انتقلت إلى أيدي حزب الله، الذي كان قد أجرى تعديلات واسعة على رؤيته للبنان وتطوره وعملية بناء الدولة فيه. وبدلاً من شعار بناء دولة إسلامية في لبنان كما كان يعلن في ثمانينات القرن الماضي خطا حزب الله خطوات للانخراط في دولة المحاصصة الطوائفية وكان منذ انتخابات عام 1996 قد صار جزءاً من مكونات السلطة اللبنانية. وما الحديث آنذاك عن الترفع وعدم الحصول على مكاسب ما هو إلا ذر الرماد في العيون.

عيد التحرير 2000

بعد عامين من تحرير الجنوب بدأ يشعر البعض بالخوف من تحول حزب الله صاحب اليد الطول في تحرير الجنوب إلى سلاح تخاف منه المكونات اللبنانية المختلفة. وفي الذاكرة، عندما طلبت قرنة شهوان في مطلع 2003 بانسحاب الجيش السوري من لبنان، كان لحزب الله موقفاً واضحاً مفاده: أننا لأكثرية، ونحن الذين نحدد متى ينسحب الجيش السوري من لبنان. كان السجال واضحاً بين موقفين الأول يطالب بسحب سلاح حزب الله وانضمامه إلى صفوف الشرعية اللبنانية وموقف آخر مع بقاء سلاح حزب الله على حاله، والاستفادة من الوضع للتجاوز على السلطة وإقامة كيان داخل الكيان.

الموقف من سلاح حزب الله ليس بسيطاً ولا يقتصر بالإجابة بـ “نعم أو لا”. الموقف أكثر تعقيداً، ففي غياب سياسة دفاعية لبنانية، يبقى سلاح حزب الله هو الوحيد القادر على الدفاع عن الجنوب، لكنه هو نفسه يصير مرفوضاً عندما يستخدم كاداة لإدارة النزاع مع الطوائف والقوى الأخرى. ولا تقتصر المسؤولية على حزب الله فحسب بل تتحيل المسؤولية القوى السياسية كافة. وفي جلسات الحوارين القوى السياسية كان واضحاً من النقاش أن أحداً لايريد بناء سياسة دفاعية جدية وهذا يصب في صالح سياسة حزب الله الذي سعى إلى استبدال المعادلة فبدلاً من أن يكون حزب السلطة، صارت السلطة هي سلطة حزب الله.

ازداد انخراط القوة التي أكملت عملية التحرير، في البنية الإدارية والسياسية وصارت تستفيد من مغانم السلطة وتنخرط في عمليات الفساد في اوجهه كافة (سياسي، اقتصادي اجتماعي، إداري).

عام 2006 وبفضل صمود مناضلي حزب الله وارتباط القوات الإسرائيلية ثبت حزب الله وضعه بصفته الآمر الناهي في الجنوب، لكنه بالمقابل صار السمؤول عن تنفيذ القرار الدولي رقم 1701. ولم يتحول إلى طرق قادر على الحكم، بل تحول إلى طرفقادر على عرقلة الحكم.

عام 2008 خاض حزب الله وفي شهر أيار نفسه وقبل أيام من ذكرى التحرير حربه الأهلية الداخلية الثانية، ضد تيار المستقبل وحلفائه. وحقق انتصاراً عسكرياً، لكنه لم يترجم ذلك سياسياً. وبقي حزب الله طرفاً شيعياً أساسياً قادر على تجاوز السلطة وعرقلة خطواتها لكنه غير قادر على الحكم حتى مع حلفائه.

خطا حزب الله خطوات للانخراط في دولة المحاصصة الطوائفية وكان منذ انتخابات عام 1996

وعلى حزب الله ومنذ أيار 2005، نفس شهر التحرير، يسعى لتحسين موقعه السلطوي مستنداً على خطابات التحرير، والتي تترجم هيمنة أكثر على الأجهزة الإدارية العسكرية والأمنية.

ومنذ تلك الأيام لم ينجح في الهيمنة الحاسمة، وصار يطرح نظرية المؤتمر التأسيسي وهو مؤتمر لنقاش الصيغة السياسية للكيان، لكنه قد لايحسم بوضع الكيان أو وضع النظام نفسه. وبعد بدء الأحداث في سورية، حسم حزب الله أمره وأمر سلاحه “المجيد” وأدار البوصلة نحو سورية للدفاع عن النظام السوري في مناطق تشكل خطوط إمداده الأساسية.

خرج حزب الله للحرب في سورية ناسفاً إعلان بعبدا وغير مكترث لما قد يحدث من نتائج سلبية على الكيان نفسه، وتحت حجة جديدة، القتال ضد التكفيريين. وكأن هؤلاء أناس جاؤوا من الفضاء، وكأن المجتمع اللبناني خال منهم ليكتشف الجميع أن المجموعات المتطرفة موجودة داخل المجتمع اللبناني ولسنا بحاجة للخروج إلى سورية لمواجهتها، وأن شروط المواجهة لا تقتصر على القتال فحسب. وتحول سلاح المقاومة إلى سلاح بيد الأطراف الإقليمية الساعية للحصول على نفوذ في مناطق الفراغ السياسي وتحت سقف القطب الأحادي الأميركي.

بعد خمسة عشر عاماً على التحرير، ماذا بقي منه؟ الخدمات لم تصل إلى الجنوب، الزراعة تتراجع، الصناعة انتهت. سوق العمل ضاق، تحول المال السياسي إلى مدخول أساسي لشباب الجنوب.

نجح النظام السوري في بناء نظام الترويكا الذي أجهز على دور المؤسسات الدستورية

المقاومة أنجزت التحرير لكنها لم تنجز الوحدة ولم تنجز عملية بناء دولة المواطنة. مشهد جدير بالتأمل: في الأسبوع الفائت شهدت مدينة صيدا يوماً للتعازي لشخصين قتلا خارج لبنان. الأولمن آل الأمين قتل مع حزب الله في سورية قبلت التعازي في حسينية صيدا، والثاني من آل أبو زيد قتل مع داعش في العراق وقبلت التعازي في جامع الزعتري.

لبنانيان قتلا خارج إطار الكيان ويبدو أن الطرفين لا يفكران بمصير الكيان. أتخيل في الذكرى العشرين للتحرير، هل نحتفل فيه في إطار الكيان؟

السابق
دوريات وحواجز للجيش في بعض البلدات العكارية
التالي
اطلاق نار في مسجد في باردو بتونس العاصمة واخلاء مدرسة