سيّدات يحكمن كرة القدم أيضا

في زمننا هذا، ثلاث سيدات يحكمن بلدانهن في المانيا والارجنتين والبرازيل، وقد شاءت بادية فحص أن يلتقين ويتنافسن فيما بينهن، ولكن ليس في السياسة، بل في كرة القدم، ربما كي يصبح للنص معنى آخر وترينا الحماس الراسي الأنثوي في أرقى خصاله.

أول أمس فاز فريق برشلونة الأسباني على فريق بايرن ميونخ الألماني. يعني أنّ نامت أنجيلا ميركل مغمومة مهمومة، وربما لم تنم. ليس سهلا على المنتصر أن تأتيه الهزيمة من حيث لا يحتسب، هزيمة نكراء: ثلاثة أهداف مقابل لا شيء. لشدة ما كان وقع الخسارة في نفس المستشارة مدويا، أظن أني سمعته هنا في منزلي. مسكينة أنجيلا أعتقد أنها نهضت متأخرة صباح اليوم، ووصلت إلى عملها وهي نصف نائمة، وتجرعت فنجان قهوة مرة، رغم أن مرارة هزيمة الليلة الفائتة ماتزال عالقة تحت ضرسها. فالشيء بالشيء يداوى.

قد يقول شامت: يستحق الألمان الهزيمة، غرورهم الزائد أعمى أبصارهم، فإن لم يتحل المنتصر بالتواضع، ويجعل من انتصاره تجربة جماعية مشتركة، يرتد عليه هزيمة.

لأن أنجيلا امرأة ناجحة، وهي قائدة من الطراز الأول، إذ يكفي أنها منذ تعيينها مستشارة، ارتقت ببلادها نحو قمتين سياسية واقتصادية

بعيدا من الشامتين، لأن أنجيلا امرأة ناجحة، وهي قائدة من الطراز الأول، إذ يكفي أنها منذ تعيينها مستشارة، ارتقت ببلادها نحو قمتين سياسية واقتصادية. سوف تعيد مشاهدة المباراة مرة ثانية هذا اليوم، للوقوف على الأخطاء بالطبع.

أعتقد أنها طلبت من أحد مستشاريها أن يسجل المباراة على سي دي، لتستمتع لاحقا بنشوة انتصار فريق بلادها على الفريق الخصم، كما كانت تأمل، لكن بما أنه مني بالهزيمة، صار من الواجب مشاهدة السي دي لتفحص نقاط الضعف عنده، واقتفاء أسباب هزيمته، هي تعمل مستشارة والرياضة كما السياسة حرب وسلم وفي الحالين تحتاج إلى استشارات ونقاشات وتبادل نصائح.

كما أعتقد أنها ستعقد اجتماعا لهذا الغرض، في الأيام القليلة المقبلة، وستحرص على أن يلتقي فيه كل القوى الفاعلة في البلاد، وسوف ترسل بطلب لاعبي بايرن ميونخ كي يناقشوا معا، بشفافية ودون مكابرة أسباب الهزيمة وكيفية تلافيها مستقبلا، وتحصين الانجازات السابقة بالنقد والتصويب والتقويم والاعتراف بمكامن الضعف قبل القوة كي لا تتكرر الهزائم.

أعتقد أيضا، أن أنجيلا ستنصح الفريق الألماني الخاسر وجمهوره وبيئته الحاضنة أن يخففوا من تباهيهم بالسيطرة الدائمة على الملاعب، وأن يعترفوا بطيب خاطر وعن قناعة طبعا، وليس غصبا، بقدرة الفرق الأخرى على التحدي والفوز، فليسوا وحدهم ملوك الملاعب.

وسوف تنبههم أن صفات التكبر والتشاوف والغرور هي أمراض نفسية، ليس لها أسباب عضوية، بل وهمية، فلا تتوهموا أنكم عمالقة ولاعبي الفرق الأخرى أقزام، لا أنتم كذلك ولا هم، كونوا بين بين، لأنكم عندما تتصرفون على أساس أن أقدامكم على الأرض ورؤوسكم في السماء، ستضيعون في الفراغ الكبير الذي توهمتموه.

رغم هذا، أظن أن أنجيلا تردد الآن في سرها: ما أبعد اليوم عن البارحة! أين كنا وأين أصبحنا؟ فاليوم، خرت الماكينات الجبارة صريعة في حلبة مصارعي الثيران. ومنذ أقل من سنة كانت ترقص وتصفق فرحا، مثل مراهقة، وربما توزع بقلاوة لبنانية، على مدرجات ملعب ماراكانا في ريو دي جنيرو، بعد فوز فريق بلادها في نهائيات كأس العالم على فريق الأرجنتين، بهدف مقابل لا شيء. قالت للصحفيين يومها: إنه هدف نظيف رغم أنه أتى في الوقت الضائع.

 وسوف ترسل بطلب لاعبي بايرن ميونخ كي يناقشوا معا، بشفافية ودون مكابرة أسباب الهزيمة وكيفية تلافيها مستقبلا

رئيسة الأرجنيتن كريستينا فرنانديز لا تحب تضييع الوقت، غابت وقت ذاك عن المباراة، كانت نظيرتها وجارتها رئيسة البرازيل ديلما روسيف قد أرسلت إليها دعوة لحضور النهائيات، إلا أنها تعللت بوجود التهاب في حلقها، مسكينة كريستينا اتهمها الناس يومها بالتعالي على المزاج الشعبي، لكنها كانت مريضة فعلا، خضعت لعملية استئصال للغدة الدرقية، بعدما استفحل فيها تورم خبيث. ربما اتصلت بها جارتها البرازيلية ديلما، ليلة أمس، وسألتها: أين أنت يا كريستينا؟ فأجابتها: قاعدة على ضفة النهر. سألتها: أرأيت الرقم ثلاثة على صفحة الماء؟ إنه الماتادور يا عزيزتي.

أظن أن كريستينا حظيت ليلة البارحة بنومة هنيئة. صحيح أن النصر أسباني والهزيمة ألمانية إلا أن مهندس النصر أرجنتيني.

كريستينا لم تغير رأيها بلعبة كرة القدم، ما زالت بنظرها حروبا مصغرة وتشجيعا للصراعات الثنائية، لكنها، تعلمت من هزيمة كأس العالم أن تراعي رغبات شعبها ولو كانت تافهة.

وأظن أنها ذهبت اليوم إلى عملها شامتة بتجرع أنجيلا كأس المرارة، فالدنيا دولاب وفي الملاعب الشاسعة الواسعة يبرم الدولاب بسرعة رهيبة.

 

السابق
طائرة استطلاع اسرائيلية نفذت طيرانا دائريا فوق رياق وبعلبك والهرمل
التالي
ذاب الثلج.. وبانت معركة القلمون!