عن رستم وعن جزمة المذيعة

في اليوم الذي أُعلن فيه خبر “إماتة” رستم غزالي، كانت مذيعة تونسية تطلّ على شاشة التلفزيون السوري مصطحبةً معها جزمة جندي سوري، وقالت: “يعني بالإذن من السيد حسن ومن أخونا بشار، بس هيدي الجزمة أهم عندي من كل شي”، وراحت تُقبّل الجزمة.

الحدثان، أي إماتة غزالي واصطحاب المذيعة جزمة وتقبيلها على الهواء، غير متصلان ولا تربطهما فكرة. لكن شيئاً ما جعل يُلح عليّ ويشير إلى علاقة بينهما!

فكرت أن ارتباطهما بالحدث السوري ربما، ثم عدت واستبعدت الفكرة، ذاك أن كل شيء هذه الأيام مرتبط بالحدث السوري. إلى أن عثرت على ضالتي، فما يربطهما هو الوضوح وجلاء الصورة وعريها.

فهل من شيء أوضح من مشهد مذيعة تقبّل حذاءً؟ إنها صورتها، ولا حاجة للبحث خلف الصورة. الصورة الذروة التي تطيح ما قبلها. لا شيء أوضح من الصورة المباشرة والبسيطة والمبتذلة.

وإماتة رستم غزالي جاءت على نحو مشابه أيضاً. لقد قالوا لنا إن ضابطاً آخر في المخابرات ضربه ضرباً مبرحاً! آخرون قالوا “فسخوه”، ونُقل أيضاً أنهم حقنوه بالسم. كل الروايات بدت صحيحة ولم يبذل أحد جهداً للتوضيح. خبر موته وصور عن جنازة هزيلة، وأقفل الملف.

التشابه يكمن في أن القتل فعل لا يقيم وزناً لما قبله.

غازي كنعان كان وزيراً للداخلية وما إن “انتحر” حتى تحول شيطاناً.

رستم غزالي كان “قامة ممانعة” وأميناً على بندقية المقاومة، وما إن قتل حتى تحول لصاً وزانياً وفاسداً (علينا هنا مراجعة صحف الممانعة اللبنانية في صبيحة إعلان خبر موته).

الإماتة كما الصورة، فعل ينقضي بانقضائه.

والوضوح في القتل يشبه الوضوح في الصورة. ثمة تعمّد في كلا الفعلين، وشعور بانعدام وزن الفعل مهما كان مذهلاً.

نقتل رستم غزالي ونقول أنه سارق وفاسد، بعد أن كان قبل يوم واحد رمزاً، ولن يُقدم أحد على محاسبتنا.

نُحضر جزمة على الاستديو ونقبلها، وننتظر إعجاباً من المشاهدين.

نُعلن إطلاق “المقاومة الشعبية في الجولان المحتل”. بعد نصف قرن من الاحتلال وبعد أنجح هدنة شهدها تاريخ إسرائيل. “مقاومة” مهمتها ربط الجبهة بالنزاع الأهلي، ونطلب من إعلامنا أن يصفق، فيصفق.

أليس هذا من قبيل خواء صورة المذيعة وسهولة قتل رستم غزالي؟ ألا تُشبه المقاومة في الجولان صفاقة صورة ميشال سماحة معترفاً بأنه أحضر المتفجرات من دمشق إلى بيروت؟

والحال أن النظام في سوريا عاجز عن إسعاف حلفائه في الإعلام بغير ما لديه من أدوات، وهم إذ يمتثلون لفقر خياله يظهرون أيأس منه في امتثالهم لوضاعته.

مات رستم غزالي، إذاً هو فاسد مُفسد وحليف موضوعي لـ”14 آذار”.

“المقاومة الشعبية في الجولان” بدأت تُسطر بطولاتها! الوقائع من دون تواريخها. علينا أن ننسى أن رستم العميل والفاسد بحوزته بندقية المقاومة، وعلينا أن ننسى أيضاً نصف قرن من الهدنة مع إسرائيل في الجولان، وأن نباشر المقاومة من حيث بدأ النظام في الاهتزاز.

الحذاء رُفع في وجه مشاهدي التلفزيون السوري، وليس في وجه السوريين، وإماتة رستم أصابت قواعد الممانعة بالذهول، وكاريكاتورية المهمة المستجدة في الجولان إهانة لمن تبقى في وجدانه أثر من قناعة بضرورة “فتح الجبهات”.

هذا هو النظام في سوريا. فعل راهن ودموي ومبتذل لا ينطوي على ماضٍ ولا على مستقبل. النظام هو الحرب فقط.

(now)

السابق
الوفاء للمقاومة: المستقبل خطف الاستحقاق الرئاسي
التالي
طهران على حافة الهاوية