رسائلُ الحزب عبر الخطة

شارل جبور
تشكل الخطة الأمنية في الضاحية الجنوبية محطةً وجّه «حزب الله» من خلالها رسائلَ عدّة في اتجاهاتٍ مختلفة، خصوصاً أنّ هذه الخطة جاءت بعد مرحلةٍ من التصعيد السياسي في خطابِ الحزب لا مثيلَ لها خلّفت انطباعاً بأنه يتّجه لتغيير قواعد اللعبة في لبنان.

قبل الحديث عن معنى ومفهوم الخطة الأمنية وأيّ خطة أمنية، لا شك أنّ المستفيد الأوّل والأخير من هذه الخطوة هو «حزب الله» الذي وفّرت له مناسبة لتوجيه رسائل عدّة للخارج والداخل أبرزها الآتي:

أولاً، أنّ الحزب هو مع خيار الدولة في لبنان، وكلّ كلام غير ذلك يتنافى والوقائع على الأرض بعد الانتشار الأخير للقوى الأمنية، وإذا كان من مسؤوليةٍ تترتب على مَن أعطى الانطباعَ بأنّ الضاحية خارجَ سلطة الدولة، فهذه المسؤولية تقع على الدولة نفسها التي لم تبادر في هذا الاتجاه، وليس الحزب المنفتح على أيّ خطوة من هذا النوع.

ثانياً، أنّ الحزب هو مع تسهيل عمل الحكومة التي يشكل جزءاً لا يتجزّأ منها، وأنه ماضٍ في دعم كلّ خطواتها وإجراءاتها، وذلك في تقاطعٍ واضح مع الرغبة الدولية باستمرار الحكومة، وبما يتنافى مع الكلام عن توجّهه للاستقالة تحت أيّ عنوان.

ثالثاً، أنّ الحزب هو مع الحوار قولاً وفعلاً، وأنه ملتزمٌ تنفيذ ما يتمّ الاتفاق حوله ومن ضمنه الخطة الأمنية، وبالتالي هو متمسك بمواصلة الحوار مع «المستقبل».

رابعاً، أنّ الحزب هو مع الاستقرار في لبنان، وهذا العنوان الذي رفعه مع الأزمة السورية بتحييد لبنان ما زال ساريَ المفعول، والدليل الاشتباك الكبير حول اليمن الذي لم يُفسد في الودّ قضية.

خامساً، أنّ الحزب منفتحٌ على التعاون لما فيه المصلحة اللبنانية، وأنّ التحدّي لا يوصل الى أيّ مكان، فيما الحوار والانفتاح هما المفتاح لبناء التفاهمات والتعاون البنّاء.

سادساً، أنّ الحزب يرفض سياسة الصيف والشتاء على سطحٍ واحد، فما يُطبّق في منطقة يجب أن ينسحب على كلّ المناطق.

سابعاً، أنّ الحزب يؤكد بالملموس على أنّ كلّ الكلام عن بؤرٍ أمنية ومناطقَ عصيّة على الدولة يدخل في سياق الحملة المفَبرَكة ضدّه، والتضليلية الرامية إلى تشويه صورته.

ثامناً، أنّ الحزب ينظر إلى الخطة الأمنية في الضاحية بأنها محطة في مسار يمكن أن يشهد خطوات أخرى.

وإذا كان كلّ ما تقدّم يصبّ في مصلحة «حزب الله» بتوجيهه الرسائل إلى المجتمع الدولي عشِيةَ مرحلة سينتقل معها البحث إلى مقاربة الأزمات في دول المنطقة ومعالجتها، ومن أبرز هذه الرسائل أنه يمثل قوة استقرار في لبنان حريصة على مشروع الدولة ومتعاونة مع المكوّنات الأخرى في كلّ شاردة وواردة، فيما سلاحها يتصل بالأمن الإقليمي ربطاً بالصراع مع الإسرائيليين والتكفيريين، وأنّ هذا الجانب يجب أخذه في الاعتبار.

وانطلاقاً ممّا تقدّم، أين مصلحة الحكومة وتحديداً ١٤ آذار وتيار «المستقبل» بتقديم هدية بهذا الحجم إلى «حزب الله» ومقابل ماذا؟ وما مهمة الخطة الأمنية في الضاحية الجنوبية؟ وهل تدخل في سياق بسط سيادة الدولة، أم تعقّب المخلّين بالأمن بالتعاون مع الحزب؟

وأليس من مصلحة الحزب ضبط الوضع في مناطقه عن طريق الدولة وبإشرافه كي لا يدخل طرفاً في نزاع بين عائلة وأخرى، أو عشيرة وأخرى، ويخسر من رصيده الشعبي، فيما مصلحته إبقاء الجميع تحت مظلّته وتكليف الدولة بما لا يتناسب مع مصالحه؟ وهل من مصلحة الحزب أساساً إعطاء الانطباع بأنّ هذه المنطقة ما زالت خارجة عن القانون منذ انتهاء الحرب الأهلية؟

وأين المصلحة في خطوات شكلية كلّ الهدف منها تبرير خطواتٍ في طرابلس وغيرها من المناطق السنّية من أجل إظهار عدم وجود استثناءات بتطبيق الخطة الأمنية؟ وهل هنك حاجة من هذا القبيل لخطة أمنية في الأشرفية والمتن وجونية وعاليه والشوف؟

وفي موازاة هذه التساؤلات هناك مَن يسأل: ما المطلوب إذاً؟ هل المطلوب أن لا تشمل الخطة الأمنية الضاحية الجنوبية؟ وهل الدولة تستعيد هيبتها دفعة واحدة أم تدريجاً عبر خطوات من هذا النوع؟ ولمَ المزايدة باستمرار على أيّ خطوة من هذا القبيل؟ وأليس الأجدى تعويد الناس على حضور الدولة ودورها؟

وقد يكون من غير المناسب القول إنّ المطلوب تعويد الشيعة على الدولة، خصوصاً أنهم أظهروا في أكثر من محطة تأفّفهم وانزعاجهم من الحزب وإجراءاته، وهذا الأمر ليس خافياً على أحد وخرج إلى الضوء، بل المواطن الشيعي هو كأيّ مواطن يفضل الدولة على سلطات الأمر الواقع. وأمّا القول إنّ الدولة تستعيد دورها تدريجاً فهو غير صحيح على الإطلاق، فإمّا هناك دولة أو لا دولة، ولا أنصاف حلول على هذا المستوى.

والأزمة اللبنانية الأساسية منذ الخروج السوري من لبنان تكمن في سلاح «حزب الله» ودوره الذي يحول دون تمكين الدولة من استعادة دورها لجهة حصرية السلاح داخلها وحماية أرضها ومنع أيّ ازدواجية بينها وبين أيّ طرف آخر تحت أيّ مسمى. وأيّ خطوة ما دون استعادة هذه الدولة القرار الاستراتيجي للبنان تبقى ناقصة ولا بل قد تكون تبريرية وتخدم الحزب وسياساته.

كان من الأجدى بالحكومة وقبل الخطة الأمنية في الضاحية الجنوبية أن تحدّد مفهومها لهذه الخطة منعاً لأيّ التباس وتفويتاً لأيّ مزايدة أو انتقاد. فالخطة الأمنية تعريفاً تعني عودة الدولة إلى منطقة معيَّنة وبسط سلطتها على هذه المنطقة، فيما لا سلطة فعلية إلّا للحزب في مناطقه. فالخطة الأمنية في طرابلس لم تكن بهدف تعقّب عصابات السرقة ومروّجي المخدرات، إنما لضرب الخلايا المتطرّفة التي تدعو للتسلح وتريد استخدام هذا السلاح لضرب «حزب الله» على قاعدة «يحق لنا ما يحق للحزب»، ما يعني إدخال لبنان في الفوضى والحرب الأهلية.

ومن هنا، لم يكن من حاجة لخطة أمنية في الضاحية الجنوبية، بل على الدولة أن تمارس مهامَها الطبيعية في الضاحية وغيرها طالما أنها محدَّدة بالوظيفة الجرمية لا الوطنية-السيادية. وإذا كان «المستقبل» بحاجة لخطوات من الحزب ليبرّر إجراءاته في مناطقه، فليدعُ الحزب الى التخفيف من لهجة خطابه السياسي فقط لا غير، وأمّا ما يقوم به «المستقبل» في طرابلس وغيرها فلا يحتاج الى مقابل من أحد، لانه يدخل في سياق إيمانه بمشروع الدولة.

(الجمهورية)

السابق
«داعش» في جنوب سوريا: حرب «النصرة» والاختراق السعودي
التالي
تغريدة خطيرة لجمال خاشقجي حول لبنان