سايكس-بيكو ٢٠١٦: مشروع تقسيم المنطقة الجديد

تبدو هناك صورة معقّدة في الأفق أشبه بترقّب نواة سايكس-بيكو العام ٢٠١٦، الذي لا يمكن له أن يكون سوى إعادة ترتيب لأنظمة دُوَل المنطقة بحسب النوايا التي سيزعم مفبركوه السير بها.

قرابة المئة عام إلا نَيِّف على إنقضاء إتفاق سايكس-بيكو، أمور كثيرة تبدلت وأخرى تفاقمت وغيرها تطورت وتقدمت أكثر من ما كانت عليه الحال في إتفاق القرن الماضي. خريطة المنطقة لم تعد كما هي عليه، ولكنها أصبحت أكثر وضوحًا من قبل. فتقاسم النفوذ وخلق دُوَل جديدة تحتل الخارطة اليوم، ساهم برسم حدود أثبتت علو كعبها في العالم الشرق أوسطي عامة والعربي خاصةً. فلا إنتقال العتاد والرجال من مختلف الضواحي الشيعية في المنطقة نحو سوريا والعراق أسقط الحدود، ولا عنجهية داعش وغطرستها ضربت المنطقة بإستعمالها الإسلام ذريعة لها، كما أنَّ الجمهورية الفارسية أثبتت بأنها مجرد بوق يصيح من بلاد فارس ليأمر أتباعه في التحرك، في وقتٍ هو لا يقوى سوى على  توقيع الإتفاقيات وفبركة الترهات التي يأمر بها بالفحشاء والمنكر. كل هذا وإسرائيل المستفيد الأكبر من دُوَل “الله أكبر”. فلا صحيات القوميين والبعثيين وكل من قاتل إسرائيل في منتصف القرن الماضي نفعت، كما أنَّ جميع المهرجانات الخطابية والشعارات الرنانة من أقصى فارس إلى الجنوب اللبناني والعمق الفلسطيني لم تنفع سوى بنشر البؤس والفقر والحرمان في المنطقة. هذا كله جعل من الحدود خطوطًا عريضة أثبتت جدارتها وتمسك أهلها بها، وقد ساهمت التكنولوجيا بتثبيت هذه الحدود وتكريسها دُوَليًا تكريسًا يعجز أي داعش ومن هو مِن لونها أن يخترقه. وهنا يأتي السؤال عن سايكس-بيكو القرن الحالي.

تتحدث الخرائط المطروحة في المطابخ السياسية عن فدراليات تتشكل تارةً، وعن دويلات جديدة تتوالد مع توالد صراعات جديدة في البقعة الشرق  أوسطية طورًا. لكن حقيقة الأمور بواقعيتها قد تكون مغايرة لما يتحدثون عنه، فلا القسم السني في سوريا معلوم الوجه والحدود، ولا القسم العَلَوي يتواجد في محيط جغرافي يُعبر عن الحجم السياسي والجغرافي لما سلبه حزب البعث وزمرته من الشعب السوري، أما الأكراد فيتسلحون باستغلال الصراع للإستفادة من تثبيت دُوَيلتهم الحلم. إذا ذهبنا إلى العراق، نجد كذلك تشتت سني يواجهه تمدد مذهبي لداعش يجعل المشهد السني غامض في العراق، في المقابل يغرق شيعته في داعشيتهم التي يعمها حقد وإجرام لا يختلف عن إجرام داعش، في وقتٍ يتابع إقليم كردستان الحلول عن كسب لتثبيت نفسه أكثر فأكثر ولَمّ الشمل الكردي. هذه الأمور تثبت إستحالة التقسيم لعودة الإستقرار، وبالتالي الحلول يجب أن تكون مغايرة.

هذه الصورة المعقدة هي نواة سايكس-بيكو العام ٢٠١٦، الذي لا يمكن له أن يكون سوى إعادة ترتيب لأنظمة دُوَل المنطقة بحسب النوايا التي سيزعم مفبركوه السير بها.

السابق
محكمة الحريري قتلت رستم غزالي وليس العقيد شحاده
التالي
الخولي ناشد وزير الداخلية حماية الاعتصام في الكازينو