سماحة يعترف بإدخال المتفجرات: «المعلومات» أوقعت بي

ميلاد كفوري

عكس كلّ الذين سبقوه ولحقوه إلى قاعة المحكمة العسكريّة من موقوفين بعد عمليّة اقتحام صباحيّة لسجن رومية، كان ميشال سماحة هو الأنيق الوحيد. ببدلةٍ رسميّة وحذاء أسود نظيف، دخل الوزير السابق إلى القاعة، وإلى يمينه جلس أكثر من 35 شخصاً من عائلة سماحة على المقاعد المخصّصة لهم. حيّاهم سماحة بوجه ضاحك وهو يحمل بيديه المرتجفتين ثلاثة دفاتر سميكة.
ثم ما لبث أن توجّه إلى تحت قوس المحكمة، حيث وقف في المكان المخصّص له. ولأنّها ليست المرّة الأولى التي يدخل فيها المدَّعى عليه إلى المحكمة حرّك سماحة الميكروفون ليصل إلى مستوى فمه، فما كان من الدركي إلى جانبه إلّا أن ساعده بالمهمّة، ليبادره سماحة: «ممنونك».
كان سماحة مرتبكاً على اعتبار أنّها المرة الأولى التي يدلي بها بشهادته أمام هيئة المحكمة العسكريّة الدائمة برئاسة رئيسها العميد الركن الطيار خليل ابراهيم، وذلك بعد فصل قضيّته عن قضيّة رئيس مكتب الأمن الوطني في سوريا اللواء علي مملوك لتعذّر إبلاغه. وما زاد من حيرة سماحة هو مكان وضع الدفاتر الثلاثة التي يحملها والتي راح يضعها وينقلها من مكان إلى آخر، حتى استقرّ إلى وضعها على الخشبة أمامه. وهذه الدفاتر هي عبارة عن المجلّد الرسمي لقضيّته، واضعاً عند الصفحات المهمة أوراقاً صفراء لاصقة، بالإضافة إلى دفترين سجّل عليهما ـ على ما يبدو ـ ملاحظاته وإفاداته بخطّ يده.
وما كادت جلسة الاستجواب تبدأ حتى فتح دفتره الأحمر الذي كتب عليه بخطّ يده، لتكرّ سبحة الاعترافات على لسانه، وخلاصتها أنّه فعلاً نقل المتفجرات من سوريا، وتحديداً من مكتب مملوك بسيارته من نوع «أودي» حيث سلّمها مساء اليوم نفسه إلى «المخبر الملك» ميلاد كفوري ليتمّ وضعها في عدد من المناطق اللبنانيّة، وفق ما بيّنت الأشرطة المسجّلة بالصوت والصورة للاجتماعات الثلاثة التي حصلت بين سماحة وكفوري في منزل الأوّل.
«نعم أنا مذنب، وغلطتي كبيرة جداً، ولا أغفر لنفسي أنني فُخّخت بهذه الطريقة، وعندما قرأت الملفات لمت نفسي كثيراً. الضغط عليّ أوصلني بعد ثلاثة أشهر إلى الموافقة. نعم أنا كنتُ موضوعاً قابلاً لذلك».. هكذا ردّد الموقوف أكثر من مرّة بعد سرد لتفاصيل حياته المهمّة والمناصب التي تبوأها وانتظامه في الحوارات والمفاوضات من العام 1973.
«لماذا أنت بالتحديد؟»، سأل العميد ابراهيم، فأجاب سماحة أنّ المستهدف من وراء «الإيقاع به» هما سوريا والمقاومة، بالإضافة إلى «استهداف لدوري».
لم يحاول سماحة نفض يديه من قضيّة المتفجّرات، وإن حاول استحضار «لطف الله 2» للإشارة إلى السلاح الذي ملأ طرابلس: «أنا معي صندوق سيارة وليس باخرة»!
ولكنّه ركّز على ميلاد كفوري الذي لم يكن مخبراً وإنّما كان «المحرّض، وهو عميل وليس مخبراً. وهو كان مبرمجاً بطريقة جيّدة وتلميذاً شاطراً في الإقناع، وأنا وقعت في الفخّ. فأنا استُدرجت من قبل جهاز أمني (قصد فرع المعلومات) ركَّب لي فخّاً مخابراتياً وشغّل كفوري بتقنيّة ومهنيّة، إذ أنّه ألحّ عليّ وأدخل أفكاراً في رأسي بشكل ملح ولجوج حتى أقنعني بالأمر». وأكّد أنّ لا أحد يعرف بموضوع التفجيرات سوى 4: هو وكفوري ومملوك وعدنان، نافياً أن يكون قد التقى الرئيس السوري بشار الأسد لمفاتحته بهذا الأمر أو أنه (الأسد) على علم بذلك».
بالنسبة لسماحة، فإن الباب الذي دخل منه كفوري لـ «الإيقاع به» كان «خوفي من المعابر الحدوديّة غير الشرعية، والذي ظهر واضحاً من خلال مراقبتهم لي. فأنا كنت خائفاً وكنت أقولها علنيةً بأن تتحوّل حدودنا مع سوريا إلى ما وصلنا إليه مع إسرائيل في العام 1975، وأنا لم أكن خائفاً على سوريا وإنّما على لبنان إذ إنني كنت على تماس مع مراكز القرار الغربيّة وكنت أعرف ماذا كان يجري بالنسبة لتهريب السلاح. وبالتالي وبعد أن ألحّ كفوري عليّ أذعنت لتنفيذ تفجيرات على هذه المعابر، ولم أكن أعرف أن المناطق التي وضعها كأهداف بعد أن راقبتها جماعته أنّها أسماء مناطق وإنما ظننت أنها أسماء معابر فأنا لا أعرف المناطق والقرى وتكوينها».
أما بشأن استهداف إفطارات في عكّار كان يتردّد إليها عدد من المرجعيات الدينية (مثل مفتي الشمال الشيخ مالك الشعار) والنائب خالد ضاهر وعناصر من «الجيش السوري الحر»، فسرد سماحة لأمر مفاتحته بهذه الإفطارات حين كان في فرنسا، حيث اتصل به كفوري أكثر من مرة من دون أن يجيب. وبعد أن اتصل به من رقم غير مكشوف، قال له الأخير إن عليه العودة سريعاً لملاقاته فهناك الكثير من الأمور التي يودّ أن يقولها له، ثم إن هناك إفطارات في عكّار. ولذلك اتفق على موعد 21 تموز بعد عودته من فرنسا بيوم واحد.
وفق سماحة، فإن أمر التفجيرات في عكّار هو «الأمر الذي كان مطلوباً مني لاستدراجي»، ولاحظ أنّ تقصّد كفوري في تحديد موعد اجتماعهما في 21 تموز كان خلفيّته فتح محضر رسمي لي في 20 تموز وتعيين كفوري مخبراً بشكل رسمي وهو لم يكن كذلك من قبل».
وسرد سماحة مرحلة «ما بعد الاقتناع بتنفيذ التفجيرات»، إذ قال إنه بعد اقتناعه، صار كفوري يلحّ عليه بشأن التنفيذ ما دفعه إلى أن يتوجّه إلى دمشق، حيث فاتح المسؤول في مكتب مملوك الضابط عدنان (مجهول باقي الهويّة) بالأمر حتى يعرف جوّ مملوك، ثم سرعان ما فاتح مملوك بالأمر بعد أن وجد أن لديه رغبة وليس موافقة بشأن الحدود».
كما أكّد سماحة أن مملوك طلب أن يقابل كفوري الذي رفض الأمر لأسباب أمنية، مشيراً إلى أنّ كفوري «كان يرفض إعطائي معلومات عن المنفذين، إذ كان يردّد أنا مسؤول عن كل شيء».
وبعد ذلك، سلّمه كفوري لائحة بالمواد المطلوبة للتفجير مطالباً بـ200 ألف دولار للمنفذين، أما حصّته فترك الحديث عنها إلى ما بعد ذلك». وعليه سلّم سماحة اللائحة، فقال الأخير إنّها مواد مؤمنة، رافضاً إعطاء كفوري 200 ألف دولار مكتفياً بـ170 ألف دولار.
وفي زيارته التالية لسوريا، طلب عدنان منه مفتاح السيارة حين كان يهمّ بالدخول إلى مكتب مملوك، ليضع فيها المتفجّرات، منها 20 كيلو «تي. ان. تي» وصواعق وقوارير غاز والـ170 ألف دولار، مشيراً إلى أنّ مملوك على الأرجح كان يعرف أن عدنان أعطاني الأغراض.
وحينما أنهى لقاءه، ألقى سماحة نظرة على صندوق السيارة ثم قادها متوجّهاً إلى بيروت وبرفقته اللواء الركن جميل السيد من دون علمه بالأمر، معتذراً منه على ذلك. وقد نفى سماحة أن يكون سائقه على علم بالأمر أيضاً بل تركه في سوريا لملاقاة عدد من الأشخاص وقاد السيارة بنفسه.
وفي طريقه إلى بيروت، اتصل سماحة بسكرتيرته طالباً منها الاتصال بكفوري ليلتقيه في المنزل، فأبلغها الأخير أنّه سيتأخر حوالي الساعة «وذلك لتركيب المسجلة»، وفق سماحة.
وليلاً التقى سماحة بكفوري في منزله حيث سلّمه المتفجّرات بعد أن أدخل الأخير سيارته إلى المرأب، «وتقصّد أن يترك المال في الأعلى ليعود ويتصل بمرافقي لكي يأتي بها، وذلك للإيحاء بأن هناك مجموعة»، ولذلك فقد طلبت المحكمة الاستماع إلى مرافق سماحة فارس بركات في الجلسة المقبلة التي تحدّدت في 13 أيّار المقبل.
ولم تكن علاقة سماحة بكفوري «الذي يملك الكثير من الأسماء» علاقة عابرة بل تعود إلى 30 سنة إلى الوراء وكان الأخير يتردّد إلى مكتب «معاليه» لكونه من نفس المنطقة (المتن). وكان سماحة يعرف عنه أنّه المسؤول عن جهاز أمن حزب «القوات اللبنانيّة» وكان لديه نشاطات وعلاقات مع أجهزة مخابرات، وكان أيضاً مخبراً لدى مخابرات الجيش اللبناني». ثمّ أسّس كفوري شركة أمنيّة تتولى حماية أحد المراكز التجارية «وكان يأتيني ببعض المعلومات غير المهمة»، وكان أيضاً مسؤولاً عن أمن النائب السابق موريس فاضل ثم عمل مع الوزير محمّد الصفدي بدور سياسي وأمني».
وقد استوقف العميد ابراهيم قول سماحة لكفوري في أحد التسجيلات: «بسلّم عليك مملوك»، فأجاب أن «كفوري كان يحبّ كونه يمتلك علاقات مهمّة لذلك كنت أقول له ما يحبّه». كما أشار إلى أنّ كفوري يعرف مملوك وعدداً من المسؤولين الأمنيين في سوريا، إذ إنّه تردّد إلى دمشق في العام 2009 ليطلب من مملوك مساعدة الصفدي في الانتخابات النيابيّة ولكنّ الأخير سرعان ما حوّله إلى أحد الأشخاص المعنيين».
في حين تدخّل ممثل النيابة العامة مفوض الحكومة القاضي هاني حلمي الحجار، متسائلاً: «كيف لشخص أقرب أن يكون إلى الأمية أن يستدرج وزيراً بحجمك. فمن كان يستدرج من في الحقيقة؟».

(السفير)

السابق
هل تؤدي وسائل التواصل الاجتماعي إلى الاكتئاب؟
التالي
تسريب أول صورة لزوج ميريام فارس في مطعم في بيروت