بركان روميه: «امتدادات» وامتيازات.. وحلم «الإمارة»

سجن روميه

وضعت “القوة الضاربة” في قوى الأمن الداخلي، أمس، حداً للتمرّد الثاني الذي قام به الموقوفون الاسلاميون في سجن روميه خلال مدّة لم تتجاوز الـ72 ساعة، لكن لا شيء يضمن بشكل قاطع عدم انفجار هذه القنبلة الموقوتة، في ظل اكتظاظ السجن بما يزيد عن ضعفي قدرته الاستيعابية، فضلا عن القصور القضائي في التعامل مع ملف الموقوفين، ناهيك عن تعاظم ظاهرة التوقيفات، في ظل القرار السياسي الإجماعي بملاحقة وتفكيك الشبكات الإرهابية.
واللافت للانتباه أن بعض الموقوفين الخطرين، يجدون “امتدادات لبنانية” ترفع شعار “مظلوميتهم”، سواء عن حق أو باطل، وتسعى الى توظيف هذا الملف في بازار الخطاب السياسي التحريضي.
ومع كل انتكاسة في روميه، يجد مجلس الوزراء نفسه محرجاً، فهل يكتفي بالاستماع الى تقرير وزير الداخلية وما يتضمنه من تحذيرات عن انفجار محتم لـ “البركان” اذا لم تحصل معالجات نهائية، أم يبادر الى اتخاذ خطوات جذرية، وخصوصاً الشروع في بناء سجن مركزي جديد، وتسريع وتيرة المحاكمات وعدم التساهل في قضية الامتيازات التي شكلت المدماك الأساس في تحويل السجن الى “امارة” على مر السنوات الماضية، وخصوصا بعد الإجهاز على ظاهرة “فتح الاسلام” في نهاية العام 2007.
ماذا جرى في روميه؟

بعد نقلهم من “فندق الخمس نجوم” في المبنى “ب” الى المبنى “دال” بعد عملية نظيفة نفّذتها “القوة الضاربة” في “شعبة المعلومات” فجر 12 كانون الثاني الماضي، وجد السجناء الاسلاميون صعوبة حقيقية في التأقلم مع واقع انهم صاروا فعلاً خلف القضبان!
قبل اسابيع أضربوا عن الطعام، وحتى ليل الجمعة ـ السبت كانوا يضعون، في لعب مقصود على وتر الشارع، المطالب الانسانية واجهة لما هو أكبر من ذلك: إعادة “الامارة” الى سابق عهدها.
الدليل ان مفاوضات شاقة خاضها العميد منير شعبان ورئيس “القوة الضاربة” المقدم خالد عليوان، بتكليف من وزير الداخلية، مع “ابو الوليد”، بدءاً من بعد ظهر يوم الجمعة الماضي، أفضت الى اتفاق بإطلاق العسكريين المحتجزين (12 عسكرياً وطبيبان) مقابل وعد صريح برفع مطالب السجناء الى وزير الداخلية نهاد المشنوق، لكن عملياً انتهت المفاوضات بتمرّد جعل المبنى “دال” خارجاً عن السيطرة كلياً.

فالمفاوضات الاولى بين الطرفين خيضت فيما جميع الابواب الحديدية للزنزانات الـ 180 قد خلعت وصارت كاميرات المراقبة في خبر كان.

لم يرض السجناء بالتسوية الناقصة، فرفضوا الدخول الى الزنازين، وبعد جهد كبير قبلوا بإقفال أبواب الاجنحة عليهم، فيما عمدوا في الوقت نفسه الى رفع سقف المطالب التي لم تكن تعني سوى العودة الى امتيازات “الامارة”. لذلك، منعوا إخراج الأبواب الحديدية التي رموها في “الانتفاضة” الاولى على مداخل الطوابق لمنع القوى الامنية من الدخول، ومنعوا عمال الصيانة من تصليح الأبواب وإعادتها الى مكانها، مع محاولات واضحة لتكسير ابواب الأجنحة بدءا من مساء يوم الاحد الماضي.
لكن عندما وُجّهت اليهم تحذيرات بالدخول بالقوة، سمحوا بإخراج قسم من الأبواب الحديدية، وهذا الامر شكّل ثغرة أساسية سمحت لاحقاً بإعطاء الضوء الاخضر، لـ”القوة الضاربة”، بإنهاء التمرّد وتنفيذ عملية خاطفة فجر أمس، خصوصاً مع ورود معلومات عن تحرك وشيك سيقوم به السجناء قد يؤدي الى إعادة عقارب روميه الى الوراء.
رسا القرار على الساعة الخامسة من فجر الاثنين الماضي في تحسّب لاحتمال ان تطول العملية (دامت ساعتين)، فيكون ضوء النهار عاملاً إيجابياً لمنفذي العملية. وهذا ما يبرّر سبب عدم تنفيذ هذه العملية مساء الجمعة الماضي، اذ ان إشعال النار كان سيحتّم على القوى الامنية استخدام المياه لإخمادها، وهنا يتخوّف العسكر من لجوء السجناء الى “كهربة” الممرات والأشرطة. لذلك، وتجنّبا لهذا الاحتمال، يتمّ قطع الكهرباء تلقائياً عن المبنى، في مثل هذه الحالات.
وفعلاً مع دخول “القوة الضاربة” عمد السجناء الى إحراق الفرش والأمتعة، لكن العملية كانت سريعة الى حد فرض إدخال السجناء مجدداً الى الزنازين، وإقفال الأجنحة الثلاثة في كل طابق منعاً للاختلاط، وتجرّيد السجناء من كل الآلات الحادة التي سبق ان توافرت لهم بعد انتفاضة يوم الجمعة، كما تمّت إزالة كل العوائق من الطوابق.
في المحصّلة، عادت الامور الى طبيعتها في المبنى “المشلّع” الأبواب. والأيام القليلة المقبلة ستكشف كيف سيتم التعامل مع “الامتيازات” التي يطالب بها مجدداً الموقوفون الإسلاميون: إدخال الطعام من الخارج، تركيب تلفزيونات على غرار بقية مباني السجن وإدخال أجهزة خلوية!
المشنوق: تمويل بناء سجن مركزي

غير أن وزير الداخلية الذي تابع من روميه، صباح أمس، عملية قمع التمرد الجديد، جزم أن لا عودة لـ “الإمارة” ولا للامتيازات، وحصر الأمر بقضية الاكتظاظ (وضع 1147 سجيناً في مبنى يتسع لأربعمئة كحد أقصى)، وأكد أن المبنى “ب” سينجز خلال 15 يوماً، “وعندها نضمن أن أعمال الشغب لن تتكرر مهما كانت الظروف والأثمان”. وشدد بعد وضعه رئيس الحكومة تمام سلام في أجواء ما جرى، على أهمية أن يكون البند الأول على جدول أعمال جلسة الحكومة، بعد غد، استكمال تمويل مشروع بناء سجن مركزي في الجنوب أو الشمال.
وعلم أنه في غضون أيام قليلة، سيتمّ تلحيم أبواب الزنازين في المبنى “دال”، على أن يسبق ذلك، نقل السجناء وتوزيعهم على أجنحة أخرى، ريثما يتمّ الانتهاء من تلحيم زنزانات كل جناح على حدة.
وتفيد المعلومات، أنه بعد انتهاء أعمال ترميم المبنى “ب” سيتّخذ القرار بشأن عدد السجناء الذين سيتمّ نقلهم اليه من المبنى “دال” وكيفية توزيعهم.
وعلم أن لجنة التحقيق المسلكية في أحداث الأيام الأخيرة، وخصوصا يوم الجمعة الماضي برئاسة العميد جوزف كلاس، توصلت الى تحديد أدوار عدد من الموقوفين الاسلاميين في التخطيط لما جرى، فضلا عن أوجه القصور في أداء القوى الأمنية.
ويجزم المتابعون ان فرز اربعة عسكريين فقط لتولي حراسة كل طابق من الطوابق الثلاثة، أي بمعدل 4 عسكريين لنحو 366 سجيناً، فيما المجموع العام 1147 سجيناً أكثر من نصفهم من الموقوفين الإسلاميين بتهم إرهابية، مع تخصيص مفتاح واحد يفتح زنازين كل طابق من الطوابق الثلاثة، هو أمر يحتاج إلى مراجعة لأنه “غير مبرّر وغير جائز في حالة من هذا النوع”.
يذكر أن خمسة عسكريين أصيبوا بحروق وجروح بسيطة، أمس، فيما تحركت عائلات بعض الموقوفين الإسلاميين في طرابلس (أمام دارة الوزير أشرف ريفي)، أمس، حيث رفع البعض الصوت مطالباً باستقالة وزير الداخلية، رداً على ما تعرض له أولادهم من انتهاكات، وهي النقطة التي أثارها أيضاً عدد من الموقوفين الإسلاميين، أثناء مثولهم أمام المحكمة العسكرية، أمس.

(السفير)

السابق
سماحة: كفوري استدرجني.. و«فخّخني» ضد سوريا والمقاومة
التالي
سماحة: اخطأت واعتذر عمّا فعلته استدرجني ميلاد كفوري بطريقة هوليودية