المنتخب البرازيلي: ولادة جديدة

عندما وضب المشجعون البرازيليون بحزن قمصانهم الصفراء في تموز الفائت، ظن معظمهم أنهم سينتظرون لبعض الوقت قبل أن يعودوا إلى خزائنهم بحثا عن هذا الغرض بالتحديد.
فبعد أن تعرض منتخب بلادهم إلى خسارة تاريخية أمام ألمانيا (1 ـ 7)، في نصف نهائي «مونديال البرازيل 2014»، ومن ثم أعيد تعيين دونغا في منصب المدرب، كانت المعنويات في الحضيض.
لكن بعد ثمانية أشهر فقط، تغير كل شيء، وارتفعت المعنويات من جديد. وكان الفوز على تشيلي (1 ـ صفر)، الأحد الفائت في لندن، يعني أن البرازيل حققت ثمانية انتصارات متتالية.
ويكتب الخبير في شؤون الكرة الأميركية الجنوبية تيم فيكيري للـ «بي بي سي» أن شبكة «تي في غلوبو» البرازيلية الواسعة الانتشار سألت مشاهديها خلال مباراة الأحد عما إذا كان المنتخب البرازيلي استعاد سمعته المعهودة، قبل أن تسجل البرازيل هدفها الوحيد. رد 63 % بالإيجاب بفضل الفوز على منتخبين كبيرين مثل الأرجنتين وفرنسا.
كما أن الأرقام التي سُجلت بعد كأس العالم جاءت لافتة: ثمانية انتصارات في ثماني مباريات، مع تسجيل 18 هدفا مقابل هدفين فقط.
وسبق لقائد المنتخب البرازيلي الفائز في كأس العالم 1994 دونغا أن تسلم منصب المدرب من العام 2006 وحتى الخسارة أمام هولندا (1 ـ 2)، في ربع نهائي «مونديال 2010». وعلى الرغم من أنه لا يحظى بمحبة معظم المشجعين البرازيليين، وبعد استعادة نغمة الفوز، قوبل إصراره على أهمية الإخلاص بترحيب واسع.
وبالطبع لم يكن أيا من تلك الانتصارات الثمانية على الأرض البرازيلية. إذ على البرازيليين الانتظار حتى انطلاق حملة تصفيات كأس العالم في تشرين الأول المقبل قبل مشاهدة منتخبهم على الأرض.
تألق نيمار
في الـ23 من عمره، يبدو نيمار مكتمل النضوج. ويعتبر كثيرون أن الإصابة التي حرمته من اللعب ضد ألمانيا في نصف نهائي كأس العالم، وانهيار الفريق يؤكد مدى أهميته. لاحظ دونغا ذلك على الفور واختار صاحب القميص رقم 10 لحملة شارة القائد. وعلى الرغم من خشية البعض من تأثير ذلك على مهاجم «برشلونة»، أثبت أنه قادر على تحمل المسؤولية. ومن بين الأهداف الـ18 التي سجلتها البرازيل، كان نصيبه ثمانية. وباستثناء تغييره مرتين في الوقت بدل الضائع، خاض نيمار كل دقيقة من كل مباراة.
لاعبون جدد
ضم المنتخب البرازيلي في جولته الودية الأخيرة تسعة لاعبين فقط ممن شاركوا في كأس العالم، مع إجراء عملية التغيير الأوسع في خط الهجوم. وربما كان أبرز الجدد قلب الهجوم روبرتو فيرمينو المحترف في نادي «هوفنهايم» الألماني، والذي كان مجهولا بالنسبة إلى الجمهور المحلي قبل استدعائه للمرة الأولى أواخر العام الفائت.
شارك ابن الـ23 سنة بديلا ضد النمسا في تشرين الثاني ففاجأ الجميع بتسجيله هدف الفوز. وساهم بشكل كبير في تسجيل أوسكار هدف التعادل ضد فرنسا الأسبوع الفائت. ومجددا بعد مشاركته بديلا قدم لعبة رائعة سجل منها الهدف الوحيد ضد تشيلي الأحد الفائت. ومع تحركه بشكل أكبر من قلب هجوم البرازيل في كأس العالم، يُعد فيرمينو التغيير الأكبر الذي أجراه دونغا على تشكيلته.
ومن اللافت أيضا أن هدف فيرمينو ضد تشيلي جاء بعد تمريرة طويلة رائعة من الظهير الأيمن دانيلو. فمن كارلوس ألبرتو إلى كافو، حظيت البرازيل بلاعبين رائعين في هذا المركز أكثر من غيرها. لكن لاعب «بورتو» المنتقل إلى «ريال مدريد» يثبت أنه لاعب شامل. إذ يستطيع الانضمام إلى الهجوم بشكل مفاجئ. يضاف إلى ذلك أن مهاراته الدفاعية كبيرة. وبدا ذلك عندما أوقف كريم بنزيمة في المباراة ضد فرنسا.
وربما كان استبعاد قلب الدفاع ميراندا من منتخب كأس العالم الأكثر استغرابا. فقد بات أساسيا منذ ذلك الحين، ويظهر مزاياه الدفاعية التي كانت حاسمة في نجاح ناديه «أتلتيكو مدريد» في الآونة الأخيرة، وهذا كان غائبا بشكل كامل في الخسارة الكبيرة أمام ألمانيا.
مدى التغيير
بات هنالك المزيد من الحركة من قلب الهجوم. لكن التوجه الأساسي للبرازيل لا يزال مماثلا بشكل كبير عما أظهره الصيف الفائت.
ويقول توستاو، أحد أساطير الكرة البرازيلية في العام 1970 وأبرز نقادها: «تراجعت كرتنا عندما توقفنا عن منح قيمة لتمرير الكرة»، ويشتكي من أن عشرين سنة مرت منذ أن قدمت البرازيل لاعبَ وسطٍ من الطراز العالمي يستطيع تمرير الكرة.
كان توستاو محظوظا في اللعب إلى جانب كلودو ألدو وجيرسون في خط الوسط. ولاحقا حظيت البرازيل بفالكاو وتونينيو سيريزو في منتخب العام 1982. ومنذ ذلك الحين لم يبرز أحد تمكن مقارنته بهم.
ويبقى المنتخب الحالي سعيدا في الاعتماد على الهجمات المرتدة. ويكشف ارتكابه لـ32 خطأ ضد تشيلي (مقابل 15 لخصمه)، أن السعي البشع لتعطيل اللعب يبقى من دون تغيير. كما إن إحصائية تظهر أن البرازيل تأخذ تلك المباريات الودية على محمل من الجد. فضد فرنسا أكد دونغا أن اللعب سيكون محدودا في الدقائق العشر الأخيرة بإجرائه خمسة تغييرات، ليحمي تقدمه (3 ـ 1)، كما لو أنها كانت المباراة النهائية لكأس العالم.
لكن المباريات الودية ليست بالدليل الذي يمكن الاعتماد عليه. ربما تكون البرازيل فازت في مبارياتها الثماني الأخيرة، لكن سجل منتخب المدرب لويز فيليبي سكولاري قبل كأس العالم كان أفضل (تسعة انتصارات متتالية ـ 30 هدفا مقابل هدفين). وعندما يبدأ الجد، لا يُحتسب ذلك كله.
وسيكون الامتحان الحقيقي الأول للبرازيل بقيادة دونغا في بطولة «كوبا أميركا» بعد شهرين في تشيلي.
(السفير)

السابق
إتفاق نووي سيساعد إيران للحد من طيشها
التالي
الإيرانيون احتفلوا …متى يحتفل اللبنانيون ؟